للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تبلغُ قيمتُه نِصَابًا، فوجَبَ القَطْعُ (٥٥) بِسَرِقَتِه، ككُتُبِ الفِقْهِ، ولا خِلَافَ بينَ أصحابِنا في وُجوبِ القَطْعِ بِسَرِقَةِ كُتُبِ الفِقْهِ، والحديثِ، وسائرِ العلومِ الشرعيَّةِ. فإن كان المصحفُ مُحَلَّى بِحِلْيَةٍ تبْلُغُ نِصابًا، خُرِّجَ فيه وَجْهانِ، عندَ مَنْ لم يَرَ القطعَ بِسَرِقَةِ المُصْحَفِ، أحدُهما، لا يُقْطَعُ. وهذا قياسُ قولِ أبى إسحاقَ بنِ شَاقْلَا، ومذهبِ أبى حنيفةَ؛ لأنَّ الحَلْىَ تابعةٌ لما لا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ، أشْبَهَتْ ثِيابَ الحُرِّ. والثانى، يُقْطَعُ. وهو قولُ القاضِى؛ لأنَّه سَرَقَ نِصابًا من الحَلْىِ، فوجبَ قَطْعُه، كما لو سَرَقَه مُنْفَرِدًا. وأصلُ هذَيْن الوَجْهين مَنْ سَرَقَ صَبِيًّا عليه حَلْىٌ.

فصل: وإن سَرَقَ عَيْنًا مَوْقوفَةً، وجبَ القَطْعُ عليه (٥٦)؛ لأنَّها مملوكَةٌ للمَوْقوفِ عليه. ويَحْتَمِلُ أنْ لا يُقْطَعَ، بِناءً على الوَجْهِ الذي يقولُ: إنَّ الموقوفَ لا يملِكُه المَوْقوفُ عليه. الشَّرْط الرابع، أن يَسْرِقَ مِن حِرْزٍ، ويُخْرجَه (٥٧) منه. وهذا قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ. وهذا مذهبُ عَطاءٍ، والشَّعْبِىِّ، وأبى الأسْودِ الدُّؤَلِىِّ، وعمرِ بنِ عبدِ العزيزِ، والزُّهْرِىِّ، وعمرو بنِ دينارٍ، والثَّورىِّ، ومالِكٍ، والشَّافِعِى، وأصحابِ الرَّأْىِ. ولا نعلمُ عن أحدٍ من أهلِ العلم خلافَهم، إلَّا قولًا حُكِىَ في عائشةَ، والحسَنِ، والنَّخَعِىِّ، في مَن جمعَ المتاعَ، ولم يَخْرُجْ به من الحِرْزِ، عليه القَطْعُ. وعن الحسَنِ مثلُ قولِ الجماعَةِ. وحُكِىَ عن داودَ، أنَّه لا يَعْتَبِرُ الحِرْزَ؛ لأنَّ الآيةَ لا تَفْصِيلَ فيها. وهذه أقوالٌ شاذَّةٌ، غيرُ ثابِتَةٍ عَمَّن نُقِلَتْ عنه. قال ابن المُنْذِرِ: وليس فيه خَبَرٌ ثابِتٌ، ولا مَقالٌ لأهلِ العلمِ، إلَّا ما ذكَرْنَاه، فهو كالإِجماعِ، والإِجماعُ حُجَّةٌ عَلَى من خالَفَه. ورَوَى عمرو بنُ شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، أن رجلًا من مُزَيْنَةَ سألَ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الثِّمارِ، فقال: "مَا أُخِذَ في غيرِ أكْمَامِهِ (٥٨) فَاحْتُمِلَ، فَفِيهِ قِيمَتُه وَمِثْلُه مَعَهُ، وَمَا كَانَ فِي


(٥٥) سقط من: م.
(٥٦) في ب، م: "عليها".
(٥٧) سقط الواو من: ب، م.
(٥٨) في ب، م: "كمامه".

<<  <  ج: ص:  >  >>