ووُجُوبِ حُقُوقِه عليها. ولو بَاعَ بِشَرْطِ الخِيَارِ، ثم أفْلَسَ، فالخِيَارُ بحَالِه، ولا يُجْبَرُ على ما فيه الحَظُّ من الرَّدِّ والإمْضَاءِ؛ لأنَّ الفَلَسَ يَمْنَعُه من إحْدَاثِ عَقْدٍ، أمَّا مِن إمْضَائِه وتَنْفِيذِ عُقُودِه فلا. وإن جُنِىَ على المُفْلِسِ جِنَايَةٌ تُوجِبُ المالَ، ثَبَتَ المالُ، وتَعَلَّقَتْ حُقُوقُ الغُرَمَاءِ به، ولا يَصِحُّ منه العَفْوُ عنه. وإن كانت مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ، فهو مُخَيَّرٌ بين القِصَاصِ والعَفْوِ، ولا يُجْبَرُ على العَفْوِ على مَالٍ؛ لأنَّ ذلك يُفَوِّتُ القِصَاصَ الذي يَجِبُ لِمَصْلَحَتِه، فإن اقْتَصَّ، لم يَجِبْ لِلْغُرَمَاءِ شيءٌ. وإن عَفَا على مَالٍ، ثَبَتَ، وتَعَلَّقَتْ حُقُوقُ الغُرَمَاءِ به. وإن عَفَا مُطْلَقًا، انْبَنَى على الرِّوَايَتَيْنِ، في مُوجِبِ العَمْدِ، إن قُلْنا: القِصَاصُ خَاصَّةً. لم يَثْبُتْ شيءٌ، وسَقَطَ القِصَاصُ. وإن قُلْنا: أحَدُ أمْرَيْنِ. ثَبَتَتْ له الدِّيَةُ، وتَعَلَّقَتْ بها حُقُوقُ الغُرَمَاءِ. وإن عَفَا على غير مَالٍ، فعلى الرِّوَايَتَيْنِ أيضا. فإن قُلْنا: القِصَاصُ عَيْنًا. لم يَثْبُتْ شيْءٌ. وإن قُلْنا: أحَدُ الأمْرَيْنِ. تَثْبُتُ الدِّيَةُ، ولم يَصِحَّ إسْقَاطُه، لأنَّ عَفْوَهُ عن القِصَاصِ يُثْبِتُ له الدِّيَةَ، ولا يَصِحُّ إسْقَاطُهَا. وإن وَهَبَ هِبَةً بشَرْطِ الثَّوَابِ، ثم أفْلَسَ، فَبُذِلَ له الثَّوَابُ، لَزِمَهُ قَبُولُه، ولم يكُنْ له إسْقَاطُه؛ لأَنَّه أخَذَهُ على سَبِيلِ العِوَضِ عن المَوْهُوبِ، فلَزِمهُ قَبُولُه، كالثَّمَنِ في البَيْعِ. وليس له إسْقَاطُ شىءٍ من ثَمَنِ مَبِيعٍ، أو أُجْرَةٍ في إجَارَةٍ، ولا قَبْضُه رَدِيئًا، ولا قَبْضُ المُسْلَمِ فيه دُونَ صِفَاتِه، إلَّا بإذْنِ غُرَمَائِه. ومذهبُ الشَّافِعي في هذا الفَصْلِ كله كمذهبِنا.
فصل: إذا فُرِّقَ مَالُ المُفْلِسِ، فهل يَنْفَكُّ عنه الحَجْرُ بذلك، أو يَحْتَاجُ إلى فَكِّ الحَجْرِ عنه؟ فيه وَجْهَانِ؛ أحَدُهما، يَزُولُ بِقِسْمَةِ مَالِه؛ لأنَّه حُجِرَ عليه لأجْلِه، فإذا زَالَ مِلْكُه عنه، زَالَ سَبَبُ الحَجْرِ، فزَالَ الحَجْرُ، كزَوَالِ حَجْرِ المَجْنُونِ، لِزَوَالِ جُنُونِه. والثاني، لا يَزُولُ إلَّا بِحُكْمِ الحاكِمِ؛ لأنَّه ثَبَتَ بحُكْمِه، فلا يَزُولُ إلَّا بحُكْمِه، كالمَحْجُورِ عليه لِسَفَهٍ. وفَارَقَ الجُنُونَ، فإنَّه يَثْبُتُ بِنَفْسِه، فزَالَ بِزَوَالِه. ولأنَّ فَرَاغَ مَالِه يَحْتَاجُ إلى مَعْرِفَةٍ وبَحْثٍ، فَوَقْفُ ذلك على الحاكِمِ، بِخِلَافِ المَجْنُونِ (١٥).