للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاذِفُ: بل أردتُ قَذْفَك بالزِّنَى إذْ كنتَ مشركًا. فالقولُ قولُ القاذِفِ. اخْتارَه أبو الخَطَّابِ. وهو قولُ بعضِ الشَّافِعِيَّةِ؛ لأنَّ الخلافَ في نِيَّتِه (٥)، وهو أعلمُ بها. وقولُه: وأنتَ مشركٌ، مبتدأٌ وخَبَرٌ، وهو حالٌ لقولِه: زَنَيْتَ. كقَوْلِ اللَّه تعالى: {إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} (٦). وقال القاضي: يَجِبُ الحَدُّ. وهو قولُ بعضِ الشافعيَّةِ؛ لأنَّ قولَه: زَنَيْتَ. خِطَابٌ في الحالِ، فالظاهرُ أنَّه أرادَ زِناهُ في الحالِ. وهكذا إن قال: زَنَيْتَ وأنتَ عبدٌ. وإن قَذَفَ مجهولًا، وادَّعَى أنَّه رَقِيقٌ أو مُشْرِكٌ. فقال المقذوفُ: بل أنا حُرٌّ مُسْلِمٌ. فالقولُ قولُه. وقال أبو بكر: القولُ قَوْلُ القاذِفِ في الرِّقِّ؛ لأنَّ الأصلَ بَراءةُ ذِمَّتِهِ من الحَدِّ، وهو يُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ، وما ادَّعاه مُحْتَمِلٌ، فيكونُ شُبْهَةً. وعن الشَّافِعِيِّ، كالوَجْهَيْن. ولَنا، أنَّ الأصْلَ الحُرِّيَّةُ، وهو الظَّاهِرُ، فلم يُلْتَفَتْ إلى ما خالَفَه، كما لو فَسَّرَ صَرِيحَ القَذْفِ بما يُحِيلُه، وكما لو ادَّعَى أنه مُشْرِكٌ. فإن قِيلَ: الإِسلامُ يثْبُتُ بقولِه: أنا مُسْلِمٌ. بخلافِ الحُرِّيَّةِ. قُلْنا: إنَّما يثْبُتُ الإِسلامُ بقولِه في المستقبلِ، وأمَّا الماضِى، فلا يثْبُتُ بما جاءَ بعدَه، فلا يثْبُتُ كَوْنُه مسلمًا حالَ القَذْفِ بقولِه في حالِ (٧) النِّزاعِ، فاسْتَوَيَا.

١٥٧٣ - مسألة؛ قال: (ويُحَدُّ مَنْ قَذَفَ المُلَاعَنَةَ)

نَصَّ أحمدُ على هذا. وهو قولُ ابنِ عمرَ، وابنِ عَبَّاسٍ، والحَسَنِ، والشَّعْبِىِّ، وطاوسٍ، ومُجاهِدٍ، ومالِكٍ، والشَّافِعِىِّ، وجمهورِ الفقهاء. ولا نعلمُ فيه خِلافًا. وقد رَوَى ابنُ عباس، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَضَى في المُلاعَنَةِ، أنْ لا تُرْمَى، ولا يُرْمَى وَلَدُها. [ومَن رماها أو رَمَى ولدَها] (١)، فعليه الحَدُّ. روَاه أبو داودَ (٢). ولأنَّ حَصانتَها لم تسْقُطْ


(٥) في ب، م: "بينته".
(٦) سورة الأنبياء ٢.
(٧) في الأصل: "حالة".
(١) سقط من: م.
(٢) تقدم تخريجه، في: ٨/ ٣٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>