للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمْكَنَه قَتْلُه، وكجَرِيحِهم إذا لم يأْسِرْه. فأمّا أسِيرُ غيرِه، فلا يجوزُ له قَتْلُه، إلَّا أنْ يصيرَ إلى حالٍ يجوزُ قَتْلُه لِمَنْ أَسَرَه. وقد روَى يحيى بن أبي كَثِيرِ، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَا يَتَعَاطَيَنَّ أحَدُكُمْ أسِيرَ صَاحِبهِ إذَا أخَذَه فَيَقْتُلَهُ". رواه سعيدٌ (٨). فإنْ قتل أسيرَه، أو أسيرَ غيرِه (٩) قبلَ ذلك، أساءَ، ولم يَلْزَمْه ضَمانُه. وبهذا قال الشافِعِىُّ. وقال الأوْزاعِىّ: إنْ قَتَلَه قبلَ أنْ يأتِىَ به الإِمامَ، لم يَضْمَنْه، وإنْ قَتَلَه بعدَ ذلك غَرِمَ ثَمَنَه؛ لأنَّه أَتْلَفَ من الغَنِيمةِ ما لَه قِيمةٌ، فضَمِنَه، كما لو قَتَلَ أمرأةً. ولَنا، أنَّ عبدَ الرحمنِ بن عَوْفٍ، أسَرَ أُمَيَّةَ بن خَلَفٍ وابنَه عَلِيًّا يومَ بَدْرٍ، فرآهما بلالٌ، فاسْتَصْرَخَ الأنْصارَ عليهما حتى قَتَلُوهما، ولم يَغْرَمُوا شيئًا (١٠). ولأنَّه أتْلَفَ ما ليسَ بمالٍ، فلم يَغْرَمْه، كما لو أتلَفَه قبلَ أنْ يأتِىَ به الإِمامَ، ولأنَّه أتْلَفَ مالا قيمةَ له قبلَ أنْ يأتِىَ به الإِمامَ، فلم يَغْرَمْه، كما لو أتلفَ كَلْبًا، فأمَّا إنْ قتلَ امرأةً أو صَبِيًّا، غَرمَه؛ لأنَّه كان رَقِيقًا بنَفْسِ السَّبْىِ.

فصل: ومَنْ أُسِرَ فادَّعَى أنَّه كان مسلمًا، لم يُقْبَلْ قولُه إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لأنَّهُ يَدَّعِى أمرًا الظَّاهِرُ خلافُه، يتعلَّقُ به إسْقَاطُ حَقٍّ يتعلَّقُ بَرقبَتِه، فإنْ شهِدَ له واحدٌ، حَلَفَ معه، وخُلِّىَ سبيلُه. وقال الشافِعِىُّ: لا تُقْبَلُ إلَّا شهادةُ عَدْلَيْن؛ لأنَّه ليس بمالٍ، ولا يُقْصَدُ منه المالُ. ولَنا، ما رَوَى عبدُ اللَّه بنُ مسعودٍ، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال يومَ بَدْرٍ: "لا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا أنْ يُفْدَى، أوْ يُضْرَبَ عُنُقُهُ". فقال عبدُ اللَّه بن مسعود: إلّا سُهَيْلَ بْنَ بَيْضاءَ، فإنِّى سمِعْتُه يَذْكُرُ الإِسْلامَ. فقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إلَّا سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ" (١١). فقبِلَ شهادةَ عبد اللَّه وحدَه.


(٨) في: باب قتل الأسارى والنهى عن المثلة، من كتاب الجهاد. السنن ٢/ ٢٥٢.
كما أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند ٥/ ١٨.
(٩) في م: "غير".
(١٠) أخرجه البخاري بمعناه، في: باب قتل أبى جهل، من كتاب المغازى. صحيح البخاري ٥/ ٩٦. وذكر الواقدى خيرهما بتمامه، في: المغازى ١/ ٨٢ - ٨٤.
(١١) أخرجه الترمذي، في: باب سورة الأنفال، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذى ١١/ ٢١٧ - ٢١٩. والإِمام أحمد، في: المسند ١/ ٣٨٣، ٣٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>