للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعْجَبُ منه. وقال علىٌّ رَضِىَ اللهُ عنه: لا يَحِلُّ لِلنُّفَسَاءِ إذا رَأَتِ الطُّهْرَ إلَّا أنْ تُصَلِّىَ (١). ولأنَّ اليَسِيرَ دَمٌ وُجِدَ عَقِيبَ سَبَبهِ وهو الوِلَادَةُ، فيكونُ نِفَاسًا كالكثِيرِ، وقد رُوِىَ عن أحمدَ، أنَّها إذا رَأتِ النَّقَاءَ لِدُونِ اليَوْمِ لا تَثْبُتُ لها أحْكامُ الطَّاهِراتِ. قال يعقوبُ (٢): سألتُ أبا عبد اللهِ عنِ المَرْأةِ إذا ضَرَبَها المَخَاضُ، فتكونُ أيَّامُها عَشْرًا، فتَرَى النَّقَاءَ قبلَ ذلك، فتَغْتَسِلُ، ثم تَرَى الدَّمَ مِنْ يَوْمِها؟ قال: هذا أقلُّ مِنْ يومٍ، ليس عليها شيءٌ. فعلى هذا لا تَثْبُتُ لها أحْكامُ الطَّاهِرَاتِ حتى تَرَى الطُّهْرَ يومًا كَامِلًا، ووَجْهُ ذلك أنَّ الدَّمَ يَجْرِى تَارَةً ويَنْقَطِعُ أُخْرَى، فلا تَخْرُجُ عن حُكْمِ النِّفَاسِ بِمُجَرَّدِ انْقِطَاعِهِ؛ لأنَّ ذلك يُفضِى إلى أنْ لا تَسْقُطَ الصَّلَاةُ عنها في نِفَاسِها، إذْ ما مِنْ وَقْتِ صلاةٍ إلَّا يُوجدُ فيه طُهْرٌ يَجِبُ عليها الصَّلَاةُ به، وهذا يُخَالِفُ النَّصَّ والإِجْمَاعَ، وإذا لم يُعْتَبَرْ مُجَرَّدُ انْقِطَاعِ الدَّمِ فلا بُدَّ مِن ضابِطٍ للانْقِطَاعِ المَعْدُودِ طُهْرًا، واليومُ يَصْلُحُ أنْ يكونَ ضَابِطًا لذلك، فتَعَلَّقَ الحُكْمُ به.

فصل: وإنْ وَلَدَتْ ولم تَرَ دَمًا، فهى طَاهِرٌ لا نِفاسَ لها؛ لأنَّ النِّفَاسَ هو الدَّمُ، ولم يُوجَدْ، وفى وُجُوبِ الغُسْلِ عليها وَجْهَان: أحدُهما، لا يَجِبُ؛ لأنَّ الوُجُوبَ مِن الشَّرْعِ، وإنَّما وَرَدَ الشَّرْعُ بإيجَابِه على النُّفَسَاءِ، وليست هذه نُفَسَاءَ، ولا في مَعْنَاها، لأنَّ النُّفَسَاءَ قد خَرَجَ منها دَمٌ يَقْتَضِى خُرُوجُهُ وُجُوبَ الغُسْلِ، ولم يُوجَدْ ذلك فِيمَنْ لم يَخْرُجْ منها. والثَّانِى، يَجِبُ؛ لأنَّ الوِلادَةَ مَظِنَّةٌ لِلنِّفَاسِ، فيتَعَلَّقُ (٣) الإِيجابُ بها، كتَعَلُّقِه بالْتِقَاءِ الخِتَانَيْنِ، وإنْ لم يُوجَد الإِنْزَالُ.

فصل: وإذا طَهُرَتْ لِدُونِ الأربعِينَ اغْتَسَلَتْ، وصَلَّتْ، وصَامَتْ، ويُسْتَحَبُّ أنْ لا يَقْرَبَها زَوْجُها قبلَ الأربعين. قال أحمدُ: ما يُعْجِبُنِى أنْ يَأْتِيَها زَوْجُها، على


(١) أخرجه البيهقي، في: باب النفاس، من كتاب الحيض. السنن الكبرى ١/ ٣٤٢.
(٢) لعله أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن كثير العبدى الدورقى، جالس الإمام أحمد، وسأله عن أشياء رواها عنه، وتوفى سنة اثنتين وخمسين ومائتين. طبقات الحنابلة ١/ ٤١٤، ٤١٥.
(٣) في م: "فتعلق".

<<  <  ج: ص:  >  >>