للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعاجِزِ عن الاسْتِقْبَالِ إذا صَلَّى إلى غَيْرِها (٢٠)، والعاجِزِ عن القِيَامِ إذا صَلَّى جالِسًا، وقِيَاسُ أبى حنيفة على الحائِضِ في تَأْخِيرِ الصِّيَامِ لا يَصِحُّ؛ لأنَّ الصَّوْمَ يدخلُه التَّأْخِيرُ، بخِلافِ الصلاةِ، بدَلِيلِ أنَّ المُسَافِرَ يُؤَخِّرُ الصَّوْمَ دونَ الصلاةِ، ولأنَّ عَدَمَ الماءِ لو قام مَقامَ الحَيْضِ لأَسْقَطَ الصلاةَ بالكُلِّيَّةِ؛ ولأنَّ قِيَاسَ الصلاةِ على الصلاةِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِها على الصِّيَامِ، وأمَّا قِيَاسُ مالِك فلا يَصِحُّ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذَا أمَرْتُكُمْ بأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ ما اسْتَطَعْتُمْ (٢١) ". وقِيَاسُ الطَّهارةِ على سائِرِ شرائِطِ الصلاةِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِها على الحائِضِ، فإنَّ الحَيْضَ أَمْرٌ مُعْتَادٌ يَتَكَرَّرُ عادَةً، والعَجْزُ ههُنا عُذْرٌ نادِرٌ غيرُ مُعْتادٍ، فلا يَصِحُّ قِيَاسُه على الحَيْضِ، ولأنَّ هذا عُذْرٌ نادِرٌ فلم يُسْقِط الفَرْضَ، كنِسْيَانِ الصلاةِ وفَقْدِ سائِرِ الشُّرُوطِ. واللهُ تعالى أعلمُ.

٦٩ - مسألة؛ قال: (ويَنْوِى بِهِ المَكْتُوبَةَ)

لا نعلمُ خلافًا في أنَّ التَّيَمُّمَ لا يَصِحُّ إلَّا بِنِيَّةٍ، غيرَ ما حُكِىَ عن الأوْزَاعِىِّ، والحسنِ بنِ صالِحٍ (١) أنه يَصِحُّ بغيرِ نِيَّةٍ. وسائِرُ أهْلِ العِلْمِ على إيجابِ النِّيَّةِ فيه. ومِمَّنْ قال ذلك: رَبِيعةُ، ومالِكٌ، واللَّيْثُ، والشَّافِعِىُّ، وأبو عُبَيْد، وأبو ثَوْر، وابنُ المُنْذِر، وأصْحابُ الرَّأْىِ؛ وذلك لِمَا ذَكَرْنَا في الوُضُوءِ، ويَنْوِى اسْتِبَاحَة الصلاةِ. فإنْ نَوَى رَفْعَ الحَدَثِ لم يَصِحَّ؛ لأنَّه لا يَرْفَعُ الحَدَثَ. قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ (٢): أجْمَعَ العُلَماءُ على أنَّ طَهَارَةَ التَّيَمُّمِ لا تَرْفَعُ الحَدَثَ إذا وَجَدَ الماءَ. بل متى وَجَدَهُ أعادَ الطهارةَ، جُنُبًا كان أو مُحْدِثًا. وهذا مذهبُ مالِكٍ، والشَّافِعِىِّ، وغيرِهما، وحُكِىَ عن أبي حَنِيفة أنَّه يَرْفَعُ الحَدَثَ؛ لأنَّه طَهَارةٌ عن حَدَثٍ يُبِيحُ الصَّلَاةَ، فيَرْفَعُ الحَدَثَ، كطهارةِ الماءِ. ولَنا، أنَّه لو وَجَدَ الماءَ لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُه لرَفْعِ الحدثِ الذي


(٢٠) أي: إلى غير القبلة.
(٢١) تقدم في صفحة ٣١٥.
(١) أبو عبد اللَّه الحسن بن صالح بن حى الهَمْداني، قال عنه الإمام أحمد: صحيح الرواية، يتفقَّه، صائن لنفسه في الحديث والورع. توفى سنة سبع وستين ومائة. طبقات الفقهاء للشيرازي ٨٥.
(٢) الاستذكار ٢/ ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>