للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان ما نَضَبَ عنه الماءُ لا يَنْتَفِعُ به أحدٌ، فعَمَرَهُ رَجُلٌ عِمارَةً لا تَرُدُّ الماءَ، مثل أن يَجْعَلَه مَزْرَعةً، فهو أحَقُّ به من غيرِه؛ لأنَّه مُتَحَجِّرٌ لما ليس لِمُسْلِمٍ فيه حَقٌّ، فأشْبَهَ التَّحَجُّرَ في المَوَاتِ.

فصل: وما كان من الشَّوَارِعِ والطُّرُقاتِ والرِّحَابِ بين العُمْرَانِ، فليس لأحدٍ إحْياؤُه، سواءٌ كان واسِعًا أو ضَيِّقًا، وسواءٌ ضَيَّقَ على الناسِ بذلك (٣٣) أو لم يُضَيِّقْ؛ لأنَّ ذلك يَشْتَرِكُ فيه المُسْلِمُونَ، وتَتَعَلَّقُ به مَصْلَحَتُهُم، فأشْبَهَ مَسَاجِدَهم. ويجوزُ الارْتِفاقُ بالقُعُودِ في الواسِعِ من ذلك لِلْبَيْعِ والشِّرَاءِ، على وَجْهٍ لا يُضَيِّقُ على أحدٍ، ولا يَضُرُّ بالمارَّةِ؛ لِاتِّفَاقِ أهْلِ الأمْصارِ في جَمِيع الأعْصارِ على إقْرَارِ الناس على ذلك، من غيرِ إنْكارٍ، ولأنَّه ارْتِفاقٌ مُبَاحٌ من غيرِ إضْرَارٍ، فلم يُمْنَعْ منه، كالاجْتِيَازِ، قال أحمدُ، في السَّابِقِ إلى دَكَاكِينِ السُّوقِ غُدْوَةً: فهو له إلى اللَّيْلِ. وكان هذا في سُوقِ المَدِينةِ فيما مَضَى. وقد قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ" (٣٤). وله أن يُظَلِّلَ على نَفْسِه، بما لا ضَرَرَ فيه، من بَارِيَّةٍ (٣٥)، وتَابُوتٍ، وكِسَاءٍ، ونحوِه؛ لأنَّ الحاجةَ تَدْعُو إليه من غيرِ مَضَرَّةٍ فيه. وليس له البِنَاءُ لا دَكّةً ولا غيرَها؛ لأنَّه يُضَيِّقُ على الناسِ، ويَعْثُرُ به المارَّةُ باللَّيْلِ، والضَّرِيرُ في اللَّيْلِ والنَّهَارِ، ويَبْقَى على الدَّوَامِ، فربما ادَّعَى مِلْكَه بِسَبَبِ ذلك. والسابِقُ أحَقُّ به ما دامَ فيه، فإن قامَ وتَرَكَ مَتَاعَهُ فيه، لم يَجُزْ لغيرِه إزَالَتُه؛ لأنَّ يَدَ الأَوَّلِ عليه، وإن نَقَلَ مَتَاعَهُ، كان لغيرِه أن يَقْعُدَ فيه؛ لأنَّ يَدَه قد زَالَتْ. وإن قَعَدَ وأطَالَ، مُنِعَ من ذلك؛ لأنَّه يَصِيرُ كالمُتَمَلِّكِ، ويَخْتَصُّ بِنَفْعٍ يُسَاوِيه غيرُه في اسْتِحْقاقِه. ويَحْتَمِلُ أن لا يُزَالَ؛ لأنَّه سَبَقَ إلى ما لم يَسْبِقْ إليه مُسْلِمٌ. وإن اسْتَبَقَ اثْنانِ إليه، احْتَمَلَ أن يُقْرَعَ بينهما، واحْتَمَلَ أن يُقَدِّمَ الإِمَامُ مَنْ يَرَى منهما. وإن كان الجالِسُ


(٣٣) سقط من: ب، م.
(٣٤) تقدم تخريجه في: ٦/ ٣٦٧.
(٣٥) البارية: الحصير.

<<  <  ج: ص:  >  >>