صَلَّوْا جُمُعَةً مع اخْتِلال بعضِ شُرُوطِها، لم يَصِحَّ، ولَزِمَهُم أن يُصَلُّوا ظُهْرًا، ولا يُعَدُّ في الأرْبَعِينَ الذينَ تَنْعَقِدُ بهم الجُمُعَةُ مَنْ لا تَجِبُ عليه، ولا يُعْتَبَرُ اجْتِماعُ الشُّرُوطِ لِلصِّحَّةِ، بل تَصِحُّ ممَّن لا تَجِبُ عليه، تَبَعًا لمن وَجَبَتْ عليه، ولا يُعْتَبَرُ في وُجُوبِها كَوْنُه ممَّن تَنْعَقِدُ به، فإنَّها تَجِبُ على مَن يَسْمَعُ النِّدَاءَ مِن غيرِ أهْلِ المِصْرِ، ولا تَنْعَقِدُ به.
فصل: ويُعْتَبَرُ اسْتِدَامَةُ الشُّرُوطِ في القَدْرِ الوَاجِبِ من الخُطْبَتَيْنِ. وقال أبو حنيفةَ، في رِوايَةٍ عنه: لا يُشْتَرَطُ العَدَدُ فيهما؛ لأنَّه ذِكْرٌ يَتَقَدَّمُ الصلاةَ، فلم يُشْتَرَطْ له العَدَدُ، كالأذانِ. ولَنا، أنَّه ذِكْرٌ من شَرائِطِ الجُمُعَةِ، فكان مِن شَرْطِهِ العَدَدُ، كَتكْبِيرَةِ الإِحْرامِ، ويُفَارِقُ الأذَانَ، فإنَّه ليس بِشَرْطٍ، وإنَّما مَقْصُودُه الإِعْلام، والإِعْلامُ لِلْغَائِبِينَ، والخُطْبَةُ مَقْصُودُها التَّذْكِيرُ والمَوْعِظَةُ، وذلك إنَّما يكونُ لِلْحاضِرِينَ، وهى مُشْتَقَّةٌ من الخِطابِ، والخِطابُ إنَّما يكونُ لِلْحَاضِرِينَ. فعلَى هذا إن انْفَضُّوا في أثْنَاءِ الخُطْبَةِ، ثم عَادُوا فحَضَرُوا القَدْرَ الواجِبَ، أجْزأَهم، وإلَّا لم يُجْزِئْهم، إلَّا أنْ يَحْضُرُوا القَدْرَ الواجِبَ، ثم يَنْفَضُّوا ويَعُودُوا قبلَ شُرُوعِهِ في الصلاةِ، مِن غيرِ طُولِ الفَصْلِ، فإنْ طالَ الفَصْلُ، لَزِمَه إعادَةُ الخُطْبَةِ، إن كان الوَقْتُ مُتَّسِعًا؛ لأنَّهم مِن أهل وُجُوبِ الجُمُعَةِ، والوَقْتُ مُتَّسِعٌ لها، لِتَصحَّ لهم الجُمُعَةُ، وإن ضاقَ الوَقْتُ صَلَّوْا ظُهْرًا، والمَرْجعُ في طُولِ الفَصْلِ وقِصَرِه إلى العادَةِ.
فصل: ويُعْتَبَرُ اسْتِدَامَةُ الشُّرُوطِ في جَمِيعِ الصلاةِ، فإنْ نَقَصَ العَدَدُ قبلَ كَمالِها، فظَاهِرُ كَلَامِ أحمدَ أنَّه لا يُتِمُّها جُمُعَةً. وهذا أحدُ قَوْلَى الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّه فَقَدَ بعضَ شَرائِطِ الصلاةِ، فأشْبَهَ فَقْدَ الطَّهَارَةِ. وقِيَاسُ قولِ الخِرَقِىِّ أنَّهم إن انْفَضُّوا بعد رَكْعَةٍ، أنَّه يُتِمُّها جُمُعةً. وهذا قولُ مالِكٍ، وقال المُزَنِىُّ: هو الأشْبَهُ عندِى؛ لقول النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الجُمُعةِ رَكْعَةً أضَافَ إلَيْهَا