للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصل: إذا قال: له هذه الدَّارُ هِبَةً، أو سُكْنَى، أو عَارِيّةً. كان إقْرَارًا بما أَبْدَلَ به كَلَامَه، ولم يكُنْ إقْرَارًا بالدَّارِ؛ لأنَّه رَفَعَ بآخِر كَلَامِه بعضَ ما دَخَلَ في أَوَّلِه، فَصَحَّ, كما لو أقَرَّ بِجُمْلَةٍ واسْتَثْنَى بعضَها. وذكَرَ القاضي في هذا وَجْهًا، أنَّه لا يَصِحُّ؛ لأنَّه اسْتِثْناءٌ من غيرِ الجِنْسِ، ليس هذا اسْتِثْناءً، إنَّما هذا (٣٧) بَدَلٌ، وهو سائِغٌ في اللُّغَةِ. ويُسَمَّى هذا النَّوْعُ من البَدَلِ بَدَلَ الاشْتِمَالِ، وهو أن يُبْدِلَ من الشىءِ بعضَ ما يَشْتَمِلُ عليه ذلك الشىءُ، كقَوْلِه تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} (٣٨). فأبْدَلَ القِتالَ من الشَّهْرِ المُشْتَمِلِ عليه. وقال تعالى إِخْبَارًا عن موسى عليه السَّلَامُ، أنَّه قال: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} (٣٩). أي أَنْسَانِى ذِكْرَه. وإن قال: له (٤٠) هذه الدَّارُ ثُلُثُها. أو قال: رُبْعُها. صَحَّ، ويكون مُقِرًّا بالجُزْءِ الذي أَبْدَلَهُ، وهذا بَدَلُ البعضِ، وليس ذلك باسْتِثْناءٍ. ومثلُه قولُه تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ} (٤١). وقولُه سُبْحانَه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (٤٢). ولكنَّه في مَعْنَى الاسْتِثْناءِ، في كَوْنِه يُخْرِجُ من الكَلَامِ بعضَ ما يَدْخُلُ فيه لَوْلَاه، ويُفَارِقُه في أنَّه يجُوزُ أن يَخْرُجَ أكْثَر من النِّصْفِ (٤٣)، وأنَّه يجوزُ إِبْدَالُ الشَّىْءِ من غيرِه إذا كان مُشْتَمِلًا عليه، ألا تَرَى أنَّ اللهَ تعالى أَبْدَلَ المُسْتَطِيعَ لِلْحَجِّ من النَّاسِ، وهو أقَلُّ من نِصْفِهِم، وأَبْدَلَ القِتَالَ من الشَّهْرِ الحَرَامِ، وهو غيره؟ ومتى قال: له هذه الدَّارُ سُكْنَى أو عَارِيَّة. ثَبَتَ فيها حُكْمُ ذلك، وله أن لا يُسْكِنَه إِيَّاهَا، وأن يَعُودَ فيما أعارَهُ.


(٣٧) في أ، ب: "هو".
(٣٨) سورة البقرة ٢١٧.
(٣٩) سورة الكهف ٦٣.
(٤٠) سقط من: ب.
(٤١) سورة المزمل ٢, ٣.
(٤٢) سورة آل عمران ٩٧.
(٤٣) في الأصل: "الثلث".

<<  <  ج: ص:  >  >>