للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: فإن اشترَى عبدًا، فزَوَّجَها إيَّاه، ثم وَهَبها إيَّاه ليَنْفَسِخَ النِّكاحُ بمِلْكِها له، لم يَصِحَّ. قال أحمدُ، فى رِوايةِ حَنْبلٍ: إذا طَلَّقَها ثلًاثا، وأراد أن يُرَاجِعَها، فاشْترَى عبدًا، فأعْتَقَه، وزَوَّجَها إيَّاه، فهذا الذى نَهَى عنه عمرُ، يُؤَدَّبانِ جميعا، وهذا فاسدٌ

ليس بكُفْءٍ، وهو شِبْهُ المُحَلِّلِ. وعَلّلَ أحمدُ فسادَه بشيئَيْنِ؛ أحدهما، شَبَهُه بالمُحَلِّلِ؛ لأنَّه إنَّما زَوَّجَه إيَّاها ليُحِلَّها له. والثانى، كَوْنُه (٣٠) ليس بكُفْءٍ لها، وتَزْويجُه لها فى حالِ كونِه عبدًا أبْلَغُ فى هذا المعنى؛ لأنَّ العَبْدَ فى عَدَمِ الكفاءةِ أشَدُّ من المَولى، والسَّيِّدُ له سَبِيلٌ إلى إزَالةِ نِكاحِه من غيرِ إرادَتِه، بأن يَهَبَه للمرأةِ، فيَنْفَسِخَ نِكاحُه (٣١) بمِلْكِها إيَّاه، والمَوْلَى بخلافِ ذلك. ويَحْتَمِلُ أن يَصِحَّ النكاحُ، إذا لم يَقْصِد العَبْدُ التَّحْليلَ؛ لأنَّ المُعْتَبرَ فى الفَسادِ نِيَّةُ الزَّوْجِ، لا نِيَّةُ غيرِه، ولم يَنْوِ. وإذا كان مَوْلًى ولم يَنْوِ التحليلَ، فهو أوْلَى بالصِّحَّةِ؛ لأَنَّه لا سَبِيلَ لمُعْتِقِه إلى فَسْخِ نِكاحِه، فلا (٣٢) عِبرةَ بنِيَّتِه.

فصل: ونِكاحُ المُحَلِّلِ فاسِدٌ، يَثْبُتُ فيه سائرُ أحكامِ العُقُودِ الفاسدةِ، ولا يَحْصُلُ به الإحْصانُ (٣٣)، ولا الإِباحةُ للزَّوْجِ الأَوَّلِ، كما لا يَثْبُتُ فى سائرِ العُقُودِ الفاسدةِ. فإن قيل: فقد سَمَّاه النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مُحَلِّلًا، وسَمَّى الزَّوْجَ مُحَلَّلًا له، ولو لم يَحْصُلِ الحِلُّ لم يكُنْ مُحَللًا ولا مُحَلَّلًا له. قُلْنا: إنَّما سَمَّاه مُحَللًا؛ لأنَّه قَصَدَ التَّحْلِيلَ فى موضِعٍ لا يَحْصُلُ فيه الحِلُّ، كما قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا آمَنَ بالْقُرْآنِ مَنِ اسْتَحَلَّ مَحارِمَهُ" (٣٤). وقال اللَّهُ تعالى: {يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا} (٣٥). ولو كان


(٣٠) سقط من: ب.
(٣١) فى ب: "النكاح".
(٣٢) فى م: "ولا".
(٣٣) فى م زيادة: "واحد".
(٣٤) أخرجه الترمذى، فى: باب حدثنا. . .، من أبواب فضائل القرآن. عارضة الأحوذى ١١/ ٤٠.
(٣٥) سورة التوبة ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>