للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حنيفة، والشَّافِعِىُّ. ويتخَرَّجُ أَنْ تَرْجُحَ بذلك، مَأْخُوذًا من قَوْلِ الْخِرَقِىِّ: ويَتَّبِعُ الأعْمَى أوْثَقَهُما فى نَفْسِه. وهذا قَوْلُ مَالِك؛ لأنَّ أحدَ الخَبَرَيْن يَرْجُحُ بذلك، فكذلك الشَّهادَةُ، لأنَّها خبرٌ، ولأنَّ الشَّهادَةَ إنَّما اعْتُبِرَتْ لغَلَبَةِ الظَّنِّ بالمَشْهُودِ به، وإذا كَثُرَ العَدَدُ أو قَوَيتِ العدالةُ، كان الظَّنُّ (١٥) به أقْوَى. وقال الأَوْزَاعِىُّ: يُقْسَمُ على عَدَدِ الشُّهُودِ، فإذا شهد لأحدِهما (١٦) شاهِدَان، وللآخَرِ (١٧) أرْبَعةٌ، قُسِمَتِ العَيْنُ بينهما أثْلاثًا؛ لأنَّ الشَّهَادَة سَبَبُ الاسْتِحْقَاقِ، فيُوزَّعُ الحَقُّ عليها. ولَنا، أَنَّ الشَّهادَةَ مقدَّرَةً، بالشَّرْعِ، فلا تخْتَلِفُ بالزِّيَادَة، كالدِّيَّةِ، وتُخالِفُ الخبرَ، فإنَّه مُجْتَهَدٌ فى قبولِ خبرِ الواحِدِ دون العَدَدِ، فرجَحَ بالزِّيَادَةِ. والشَّهادةُ يُتَّفَقُ فيها على خَبرِ الاثْنَيْن، فصارَ الحُكْمُ مُتَعَلِّقًا بهما (١٨) دون اعْتِبارِ الظَّنِّ، ألَا تَرى أنَّه لو شَهدَ النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ، لا تُقْبَلُ شهادتُهُنَّ، وإِنْ كَثُرْنَ حتى صارَ الظَّنُّ بشهادَتِهِنَّ أغْلبَ من شهادةِ الذَّكَرَيْن. وعلى هذا لا تَرْجُحُ شهادةُ الرجلَيْن على شهادةِ الرَّجُلِ والمَرْأَتَيْن فى المالِ؛ لأنَّ كلَّ واحدةٍ من البَيِّنَتَيْن حُجَّةٌ فى المَالِ، فإذا اجْتمَعَتا تَعارَضَتا، فأمَّا إِنْ كان لأحدِهما شاهِدَان وللآخَرِ شَاهِدٌ، فبذَلَ يَمِينَه معه، ففيه وَجْهان؛ أحدُهما، يتَعارضان؛ لأنَّ كُلَّ واحدٍ منهما حُجَّةٌ بمُفْرَدِه، فأشْبَها الرجلَيْنِ مع الرجلِ والمَرْأتين. والثَّانى، يُقَدَّمُ الشَّاهِدَان؛ لأنَّهما حُجَّةٌ متَّفَقٌ عليها، والشَّاهِدُ واليَمِينُ مُخْتلَفٌ فيها (١٩)، ولأنَّ اليَمينَ قوْلُه لنفْسِه، والْبَيِّنَةَ الكامِلَةَ شهادةُ الأجْنَبِيَّيْن، فيجبُ تَقْدِيمُها، كتقدِيمها على يَمِينِ المُنْكِرِ، وهذا الوَجْهُ أصَحُّ، إِنْ شاءَ اللَّه. وللشَّافِعِىِّ قَوْلَان، كالوَجْهَيْن.

فصل: وإذا كان فى أيْدِيهِما دَارٌ، فادَّعَاها أحَدُهما كُلَّها، وادَّعَى الآخَرُ نِصْفَها، ولا بَيِّنَةَ لهما، فهى بينَهما نِصْفَيْن. نَصَّ عليه أحمدُ. وعلى مُدَّعِى النِّصْفِ اليَمِينُ لصَاحِبِه، ولا يَمِينَ عَلى الآخَرِ؛ لأنَّ النِّصْفَ المَحْكُومَ له به لا مُنازِعَ له فيه. ولا أعْلمُ (٢٠) فى هذا


(١٥) سقط من: الأصل، أ.
(١٦) سقط من: م.
(١٧) فى م: "والآخر".
(١٨) فى الأصل: "بها".
(١٩) فى م: "فيهما".
(٢٠) فى م: "نعلم".

<<  <  ج: ص:  >  >>