للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} إلى قولِه: {تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} (٦٦). والعَهْدُ يجِبُ الوَفاءُ به بغيرِ يَمِينٍ، فمع اليَمِينِ أولَى؛ فإنَّ اللَّه تعالى قال: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (٦٧). ولهذا نَهَى عن نَقْض اليَمِينِ، والنَّهْىُ يقْتَضِى التَّحْريمَ، وذمَّهم عليه، وضَربَ لهم مثلَ التى نقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوةٍ أَنْكاثًا، ولا خِلافَ فى أَنَّ الحَلَّ المُخْتلَفَ فيه لا يدْخُلُه شىءٌ من هذا. وإِنْ كانت على فعْلِ مَكْروهٍ، أو تَرْكِ مَنْدوبٍ، فحَلُّها مَنْدوبٌ إليه، فإنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَأْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ، وكَفِّرْ عَنْ يَمِينكَ". وقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنِّى وَاللَّهِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، لَا أحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأرَى غَيْرَها خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ، وتَحَلَّلْتُهَا". وإِنْ كانت اليَمِينُ على فِعْلِ مُحرَّمٍ، أو تَرْكِ واجبٍ، فحَلُّها واجِبٌ؛ لأنَّ حَلَّها بفِعْلِ الواجبِ، فعلُ الواجِبِ واجِبٌ.

١٧٧٨ - مسألة؛ قال: (ومَنْ حَلَفَ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا، فلَمْ يَفْعَلْه، أَوْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا، فَفَعَلَه، فعَلَيْه الْكفَّارَةُ)

لا خلافَ فى هذا عندَ فُقهاءِ الأَمْصارِ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: اليَمِينُ التى فيها الكَفَّارَةُ بإجْماعِ المسلمين، هى التى على المُسْتَقْبَلِ مِن الأَفْعالِ. وذَهَبَت طائِفَةٌ إلى أنّ الحِنْثَ متى كان طاعَةً، لم يُوجِبْ كَفَّارَةً. وقال قومٌ: مَنْ حَلَفَ على فِعْلِ مَعْصِيَةٍ، فكَفّارَتُها تَرْكُها. وقال سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ: اللَّغْوُ أَنْ يحلِفَ الرَّجُلُ فيما (١) لا يَنْبَغِى له. يعنى فلا كَفَّارَةَ عليه فى الحِنْثِ. وقد رَوَى عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، عن أبيهِ، عن جَدِّه، قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا نَذْرَ وَلَا يَمِينَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ، وَلَا فِى مَعْصِيَةِ اللَّه، ولَا فِى قَطِيعَةِ رَحِمٍ، ومَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرأى غَيْرَها خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَدَعْها، ولْيَأْتِ الَّذِى هُوَ خيرٌ، فإنَّ تَرْكَها كَفّارَةٌ". روَاه أبو داود (٢). ولأنَّ الكفارَةَ إنما تجِبُ لرَفْعِ الإِثْمِ، ولا إِثْمَ فى


(٦٦) سورة النحل ٩١، ٩٢.
(٦٧) سورة المائدة ١.
(١) فى ب: "على ما".
(٢) تقدم تخريجه، فى: ٦/ ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>