للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجُرْحِ. ولا يَمْتَنِعُ وُجوبُ القِصاصِ في النَّفْسِ، مع أنَّه لا يَجِبُ كمالُ الدِّيَةِ بالعَفْوِ عنه، كما لو قَطَعَ يَدًا، فانْدَمَلَتْ واقْتصَّ منها، ثم انتقَضَتْ وسَرَتْ إلى النَّفْسِ، فله القِصاصُ في النَّفْسِ، وليس له العَفْوُ إلَّا على نِصْفِ الدِّيَةِ. وإن قَطَعَ يَدَه من نِصْفِ السَّاعِدِ، فعَفَا عن القِصاصِ، ثم سَرَى، فعلى قولِ أبي بكرٍ، لا يَسْقُطُ القِصاصُ في النَّفْسِ؛ لأنَّ القِصاصَ لم يَجِبْ، فهو كالجائِفةِ. ومَنْ جَوَّزَ له القِصاصَ من الكُوعِ، أسْقَطَ القِصاصَ في النَّفْسِ، كما لو كان القَطْعُ من الكُوعِ. وقال المُزَنيُّ: لا يَصِحُّ العَفْوُ عن دِيَةِ الجُرْحِ قبلَ انْدِمالِه، فلو قَطَعَ يدًا، فعَفَا عن دِيَتِها وقِصاصِها، ثم انْدَمَلَتْ، لم تَسْقُطْ دِيَتُها، وسَقَطَ قِصاصُها؛ لأنَّ القِصاصَ قد وَجَبَ فيها، فصَحَّ العَفْوُ عنه، بخلافِ الدِّيَةِ. وليس بصحيحٍ؛ لأنَّ دِيَةَ الجُرْحِ إنَّما وجَبَتْ بالجِنايةِ، إذْ هي السَّبَبُ، ولهذا لو جَنَى على طَرَفِ عَبْدٍ ثم باعَه قبلَ بُرْئِه (٣٢)، كان أرْشُ الطَّرَفِ لبائِعِه لا لمُشْتَرِيه، وتَأْخِيرُ المُطالبةِ به لا يَلْزَمُ منه عَدَمُ الوُجُوبِ، وامْتِناعُ صِحَّةِ العَفْوِ، كالدَّيْنِ المُؤَجَّلِ لا تُمْلَكُ المُطَالَبةُ به، ويَصِحُّ العَفْوُ عنه، كذا ههُنا.

فصل: فإن قَطَعَ يَدَه، فعَفَا عنه، ثم عاد الجانِي فقَتَلَه، فلِوَلِيِّه القِصاصُ. وهذا ظاهرُ مذهبِ الشافعيِّ. وقال (٣٣) بعضهُم: لا قِصاصَ؛ لأنَّ العَفْوَ حَصَلَ عن بَعْضِه، فلا يُقْتَلُ به، كما لو سَرَى القَطْعُ إلى نَفْسِه. ولَنا، أن القَتْلَ انْفَرَدَ عن القَطْعِ، فعَفْوُه عن القَطْعِ لا يَمْنَعُ ما يَلْزَمُ بالقَتْلِ، كما لو كان القاطِعُ غيرَه. وإن اختار الدِّيَةَ، فقال القاضي: ان كان العَفْوُ عن الطَّرَفِ إلى غيرِ دِيَةٍ، فله بالقَتْلِ نِصْفُ الدِّيَةِ. وهو ظاهرُ مذهبِ الشافعيِّ، ولأنَّ القَتْلَ إذا تَعَقَّبَ الجِنايةَ قبلَ الانْدِمالِ، كان كالسِّرَايةِ، ولذلك لو لم يَعْفُ لم يَجِبْ أكثرُ من دِيَةٍ، والقَطْعُ يَدْخُلُ في القَتْلِ في الدِّيَةِ دُونَ القِصاصِ؛ ولذلك لو أراد القِصاصَ كان له أن يَقْطَعَ ثم يَقتُلَ، ولو صار الأمرُ إلى الدِّيةِ لم يَجِبْ إلَّا دِيَةٌ واحدةٌ. وقال أبو الخَطَّابِ: له العَفْوُ إلى دِيَةٍ كاملةٍ. وهو قولُ بعضِ أصحابِ


(٣٢) في ب، م: "موته".
(٣٣) سقطت الواو من: الأصل، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>