للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العاصِ لِابْنِ القتيلِ سَبْعَ دِيَاتٍ، فلم يَقْبَلْها (٩). فإن قيل: فلِمَ لا يُخْلَى سَبِيلُه كالمُعْسِرِ بالدَّيْنِ؟ قُلْنا: لأنَّ في تَخْلِيَتِه تَضْيِيعًا للحَقِّ، فإنَّه لا يُؤْمَنُ هَرَبُه، والفَرْقُ بينَه وبينَ المُعْسِرِ من وُجُوهٍ؛ أحدها، أنَّ قَضاءَ الدَّيْنِ لا يَجِبُ مع الإِعْسارِ، فلا يُحْبَسُ بما لا يَجِبُ، والقِصاصُ ههُنا واجبٌ، وإنَّما تَعَذَّرَ المُسْتَوْفِى. الثاني، أنَّ المُعْسِرَ إذا حَبَسْناه تعَذَّرَ (١٠) الكَسْبُ لقَضاءِ الدَّيْنِ، فلا يُفِيدُ، بل يَضُرُّ من الجانبينِ، وههُنا الحَقُّ نفسُه يَفُوتُ بالتَّخْلِيةِ لا بالحَبْسِ. الثالث، أنَّه قد اسْتُحِقَّ قَتْلُه، وفيه تَفْوِيتُ نَفْسِه ونَفْعِه، فإذا تَعَذَّرَ تَفْوِيتُ نفسِه، جاز تَفْوِيتُ نَفْعِه لإِمْكانِه. فإن قيل: فلِمَ يُحْبَسُ من أجلِ الغائبِ، وليس للحاكمِ عليه وِلايةٌ إذا كان مُكَلَّفًا رشِيدًا، ولذلك لو وَجَدَ بعضَ مالِه مَغْصُوبًا لم يَمْلِكِ انْتِزاعَه؟ قُلْنا: لأنَّ في القِصاصِ حقًّا للمَيِّتِ، وللحاكمِ عليه وِلَايةٌ، ولهذا تَنْفُذُ وَصاياه من الدِّيَةِ، وتُقْضَى دُيُونُه منها، فنَظِيرهُ أن يَجِدَ الحاكمُ من تَرِكَةِ المَيِّتِ في يَدِ إنسانٍ شيئًا غَصْبًا، والوارثُ غائبٌ، فإنَّه يأخُذُه. ولو كان القِصاصُ [لِحَىِّ في] (١١) طَرَفِه، لم يتَعَرَّضْ لمن هو عليه. فإن أقامَ القاتِلُ كَفِيلًا بنَفْسِه ليُخْلَى سَبِيلُه، لم يَجُزْ؛ لأنَّ الكَفالةَ لا تَصِحُّ في القِصاصِ، فإنَّ فائِدَتَها اسْتِيفاءُ الحَقِّ من الكَفِيلِ إن تَعَذَّرَ إحضارُ المكفولِ به، ولا يُمْكِنُ استيفاؤُه من غيرِ القاتِلِ، فلم تَصِحَّ الكَفالةُ به كالحَدِّ، ولأنَّ فيه تَغْرِيرًا بحَقِّ المُوَلَّى عليه، فإنَّه رُبَّما خلَّى سَبِيلَه فهَرَبَ، فضاعَ الحَقُّ.

فصل: فإن قَتَلَه بعضُ الأوْلياءِ بغيرِ إذْنِ الباقِينَ، لم يَجِبْ عليه قصِاصٌ. وبهذا قال أبو حنيفةَ، وهو أحَدُ قولَىِ الشافعىِّ، والقولُ الأخيرُ، عليه القِصاصُ؛ لأنَّه ممنوعٌ من قَتْلِه، وبعضُه غيرُ مُسْتَحَقٍّ له، وقد يَجِبُ القِصاصُ بإتْلافِ بعضِ النَّفْسِ، بدليلِ ما لو اشْتَركَ الجماعةُ في قَتْلِ واحدٍ. ولَنا، أنَّه مُشارِكٌ في اسْتِحقاقِ القَتْلِ، فلم يَجِبْ عليه


(٩) انظر: الكامل، للمبرد ٤/ ٨٤، ٨٥.
(١٠) في ب: "لتعذر".
(١١) في الأصل، م: "في لحى".

<<  <  ج: ص:  >  >>