للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّما النِّزاعُ فى من نذَرَ الصدقةَ بجميعِه. قُلْنا: عنه جوابان؛ أحدُهما، أَنَّ قوله: "يُجْزِئُ عَنْكَ الثُّلُثُ". دليلٌ على أنَّه أتى بلفظٍ يقْتَضِى الإيجابَ؛ لأنَّها إنَّما تُسْتعمَل غالبًا فى الواجباتِ، ولو كان مُخيَّرًا بإرادَةِ الصدقةِ، لَما لَزِمه شىءٌ يُجْزِئُ عنه بعضُه. الثانى، أَنَّ مَنْعَه من الصدقةِ بزيادةٍ على الثُّلثِ، دليلٌ على أنَّه ليس بقُرْبةٍ؛ [لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يَمْنَعُ أصحابَه من القُرَبِ، ونَذْرُ ما ليس بقُرْبةٍ] (٨) لا يَلْزَمُ (٩) الوفاءُ به. وما قالَه أبو حنيفةَ، فقد سَبَقَ الكلامُ عليه. وما قالَه رَبِيعةُ، لا يصِحُّ؛ فإِنَّ (١٠) هذا ليس بزكاةٍ، ولا فى معناها، فإِنَّ الصَّدقةَ وجَبتْ لإِغْناءِ الفُقَراءِ ومُواساتِهم، وهذه صدقةٌ تَبَرَّعَ بها صاحبُها تقرُّبًا إلى اللَّهِ تعالى، ثم إِنَّ المَحْمولَ على مَعْهودِ الشَّرْعِ المُطْلَقُ، وهذه صدقةٌ مُعَيَّنةٌ غيرُ مُطْلَقةٍ، ثم تبْطلُ بما لو نَذَرَ صيامًا، فإنَّه لا يُحْمَلُ على صومِ رمضان، وكذلك الصلاةُ. وما ذكرَه جابرُ بنُ زيدٍ، تَحَكُّمٌ بغيرِ دَليلٍ.

فصل: وإذا نذرَ الصدقةَ بمُعَيَّنٍ من مالِه، أو بمُقَدَّرٍ، كألْفٍ، فرُوِىَ عن أحمدَ، أنَّه يجوزُ ثُلثُه؛ لأنَّه (١١) مالٌ نَذَرَ الصدقةَ به، فأجْزَأَه ثُلثُه، كجميعِ المالِ. والصَّحِيحُ فى المذهبِ لُزومُ الصدقةِ بجَمِيعِه؛ لأنَّه مَنْذورٌ، وهو (١٢) قُرْبةٌ، فيَلْزَمُه (١٣) الوفاءُ به، كسائرِ المنْذُوراتِ، ولِعمومِ قولِه تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} (١٤). وإنَّما خُولِفَ هذا فى جميعِ المالِ؛ للأثَرِ فيه، ولما فى الصدقةِ بجميعِ المالِ من الضَّررِ اللَّاحقِ به، اللَّهُمَّ إِلَّا أن يكونَ المَنْذورُ [ههُنا يسْتَغْرِق جميعَ المالِ، فيكونَ كَنذْرِ ذلك. ويَحْتَمِلُ أنَّه إن كان المَنْذُورُ] (١٥) ثُلثَ المالِ فما دونَ، لَزِمَه وفاءُ نَذْرِه، وإن زادَ على الثُّلُثِ، لَزِمَه (١٦) الصدقةُ بقَدْرِ الثُّلثِ


(٨) سقط من: ب. نقل نظر.
(٩) فى ب: "يلزمه".
(١٠) فى ب: "لأن".
(١١) فى م: "لأن".
(١٢) سقطت الواو من: ب.
(١٣) فى ب: "فلزمه".
(١٤) سورة الإنسان ٧.
(١٥) سقط من: ب. نقل نظر.
(١٦) فى ب: "لزمته".

<<  <  ج: ص:  >  >>