للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو المُشْتَرِى، فإن أخَذَ من المُشْتَرِى قِيمَتَهُ رَجَعَ المُشْتَرِى على العامِلِ بالثمَنِ، وإن رَجَعَ على العامِلِ بقِيمَتِه رَجَعَ العامِلُ على المُشْتَرِى بها، ورَدَّ عليه الثمنَ؛ لأنَّ التَّلَفَ حَصَلَ في يَدِه. وأما ما يَتَغابَنُ الناسُ بمثلِه، فغيرُ مَمْنُوعٍ منه؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه، وأما إذا أشْتَرَى بأكْثَرَ من ثَمَنِ المِثْلِ بعَيْنِ المالِ، فهو كالبَيْعِ. وإن اشْتَرَى في الذِّمَّةِ، لَزِمَ العامِلَ دون رَبِّ المالِ، إلَّا أن يُجِيزَه، فيكونَ له. هذا ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ. وقال القاضي: إن أَطْلَقَ الشِّرَاءَ ولم يَذْكُرْ رَبَّ المالِ، فكذلك، وإن صَرَّحَ للبائِعِ أنَّنى اشْتَرَيْتُه لِفُلَانٍ، فالبَيْعُ باطِلٌ أيضًا.

فصل: وهل له أن يَبِيعَ ويَشْتَرِىَ بغير نَقْدِ البَلَدِ؟ على رِوَايَتَيْنِ؛ الأُولَى، جَوَازُه إذا رَأَى أنَّ (١٤) المَصْلَحَةَ فيه، والرِّبْحَ حاصِلٌ به، كما يجوزُ أن يَبِيعَ عَرْضًا بِعَرْضٍ ويَشْتَرِيَهُ به. فإذا قُلْنا: لا يَمْلِكُ ذلك. ففَعَلَهُ، فحُكْمُه حُكْمُ ما لو اشْتَرَى أو باعَ بغيرِ ثمَنِ المِثْلِ. وإن قال له: اعْمَلْ برأْيِكَ. فله ذلك. وهل له الزِّرَاعَةُ؟ يَحْتَمِلُ أن لا يَمْلِكَ ذلك؛ لأنَّ المُضَارَبةَ لا يُفْهَمُ من إطْلَاقِها المُزَارَعَةُ. وقد رُوِىَ عن أحمدَ، رَحِمَهُ اللَّه، في مَن دَفَعَ إلى رَجُلٍ أَلْفًا، وقال: اتَّجِرْ فيها بما شِئْتَ. فزَرَعَ زَرْعًا، فرَبِحَ فيه، فالمُضَارَبةُ جائِزَةٌ، والرِّبْحُ بينهما. قال القاضي: ظَاهِرُ هذا أنَّ قولَه: اتّجِرْ بما شِئْتَ. دَخَلَتْ فيه المُزَارَعَةُ؛ لأنَّها من الوُجُوهِ التي يُبْتَغَى بها النَّماءُ، وعلى هذا لو تَوَى (١٥) المالُ كلُّه (١٦) في المُزَارَعَةِ، لم يَلْزَمْهُ ضَمَانُه.

فصل: وله أن يَشْتَرِىَ المَعِيبَ، إذا رَأَى المَصْلَحَةَ فيه؛ لأنَّ المَقْصُودَ الرِّبْحُ، وقد يكونُ الرِّبْحُ في المَعِيبِ. فإن اشْتَراهُ يَظُنُّه سَلِيمًا، فبَانَ مَعِيبًا، فله فِعْلُ ما يَرَى المَصْلَحَةَ فيه، من رَدِّه بالعَيْبِ، أو إمْسَاكِه وأخْذِ أرْشِ العَيْبِ. فإن اخْتَلَفَ العامِلُ ورَبُّ المالِ في الرَّدِّ، فطَلَبَه (١٧) أحَدُهما، وأبَاهُ الآخَرُ، فَعَلَ ما فيه النَّظَرُ والحَظُّ؛ لأنَّ


(١٤) سقط من: ب، م.
(١٥) توى المال: هلك.
(١٦) سقط من: أ، ب.
(١٧) في أ، ب، م: "فطالبه".

<<  <  ج: ص:  >  >>