للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من تَقْدِيمِ دَفْعِ ضَرَرِ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ تَقْدِيمُ دَفْعِ ضَرَرِ الذِّمِّىِّ، فإنَّ حَقَّ المُسْلِمِ أَرْجَحُ، ورِعَايَتَهُ أَوْلَى. ولأنَّ ثُبُوتَ الشُّفْعةِ في مَحلِّ الإِجْماعِ، على خِلَافِ الأصْلِ، رِعَايةٌ لِحَقِّ الشَّرِيكِ المُسْلِمِ، وليس الذِّمِّىُّ في مَعْنَى المُسْلِمِ، فيَبْقَى فيه على مُقْتَضَى الأصْلِ. وتَثْبُتُ الشُّفْعةُ لِلمُسْلِمِ على الذِّمِّىِّ؛ لِعُمُومِ الأدِلَّةِ المُوجِبَةِ، ولأنَّها إذا ثَبَتَتْ في حَقِّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ مع عِظَمِ حُرْمَتِه (٨)، ورِعَايةِ حَقِّه، فَلأنْ تَثْبُتَ على الذِّمِّىِّ مع دَنَاءَتِه، أَوْلَى وأَحْرَى.

فصل: وَتَثْبُتُ للذِّمِّىِّ على الذِّمِّىِّ؛ لِعُمُومِ الأخْبارِ، ولأنَّهما تَسَاوَيَا في الدِّينِ والحُرْمةِ، فتَثْبُتُ لأحَدِهِما على الآخَرِ، كالمُسْلِمِ على المُسْلِمِ. ولا نَعْلَمُ في هذا خِلَافًا. وإن تَبَايَعُوا بِخَمْرٍ أو خِنْزِيرٍ، وأخَذَ الشَّفِيعُ (٩) بذلك، لم يُنْقَضْ ما فَعَلُوه. وإن كان التَّقَابُضُ جَرَى بين المُتَبايِعَيْنِ دُونَ الشَّفِيعِ، وَتَرَافَعُوا إلينا، لم نَحْكُمْ له بالشُّفْعةِ. وبهذا قال الشّافِعِىُّ. وقال أبو الخَطَّابِ: إن تَبَايَعُوا بِخَمْرٍ، وقُلْنا: هي مالٌ لهم. حَكَمْنا لهم بالشُّفْعةِ. وقال أبو حنيفةَ: تَثْبُتُ الشُّفْعةُ إذا كان الثَّمَنُ خَمْرًا؛ لأنَّها مالٌ لهم، فأشْبَهَ ما لو تَبَايَعُوا بِدَرَاهِمَ، لكنْ إن كان الشَّفِيعُ ذِمِّيًّا أخَذَه بمِثْلِه، وإن كان مُسْلِمًا أخَذَه بقِيمَةِ الخَمْرِ. ولَنا، أنَّه بَيْعٌ عُقِدَ بِخَمْرٍ، فلم تَثْبُتْ فيه الشُّفْعَةُ، كما لو كان بين مُسْلِمَيْنِ، ولأنَّه عَقْدٌ بثَمَنٍ مُحَرَّمٍ، أشْبَهَ البَيْعَ بالخِنْزِيرِ والمَيْتَةِ، ولا نُسَلِّمُ أنَّ الخَمْرَ مالٌ لهم، فإنَّ اللَّه تعالى حَرَّمَه، كما حَرَّمَ الخِنْزِيرَ، واعْتِقَادُهُم حِلَّه لا يَجْعَلُه مالًا كالخِنْزِيرِ، وإنَّما لم يُنْقَضْ عَقْدُهُم إذا تَقَابَضُوا، لأنَّنَا لا نتَعَرَّضُ لما فَعَلُوه ممَّا يَعْتَقِدُونه في دِينهِم، ما لم يَتَحاكَمُوا إلينا قبلَ تَمَامِه، ولو تَحَاكَمُوا إلينا قبلَ التَّقَابُضِ لَفَسَخْناه.

فصل: فأمَّا أهْلُ البِدَعِ، فمَن حُكِمَ بإِسْلَامِه فلَه الشُّفْعةُ؛ لأنَّه مُسْلِمٌ، فتَثْبُتُ له الشُّفْعةُ، كالفاسِقِ بالأفْعالِ، ولأنَّ عُمُومَ الأدِلَّةِ يَقْتَضِى ثُبُوتَها لكلِّ شَرِيكٍ، فيَدْخُلُ


(٨) في ب: "حقه".
(٩) في ب: "الجميع".

<<  <  ج: ص:  >  >>