للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُبَيِّنْه فهو آثِمٌ عاصٍ. نَصَّ عليه أحمدُ؛ لما رَوَى حَكِيمُ بن حِزامٍ، عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّه قال: "البَيِّعَانِ بالخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا، فَإنْ صَدَقَا وبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا، وإنْ كَذَبَا وكَتَمَا مُحِقَ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا" مُتَّفقٌ عليه (١). وقال عليه السَّلَامُ: "المُسْلِمُ أَخُو المُسْلمِ، لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ من أخِيهِ بَيْعًا إلَّا بَيَّنَهُ لَهُ". وقال: "مَنْ بَاعَ عَيْبًا لم يُبَيِّنْه، لم يَزَلْ في مَقْتِ اللهِ، وَلَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُه". رَواهما ابنُ ماجَه (٢). ورَوَى التِّرمِذِيُّ (٣)، أنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "مَنْ غَشَّنَا فلَيْسَ مِنَّا". وقال: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، والعَمَلُ عليه عند أهْلِ العِلْمِ، كَرِهُوا الغِشَّ، وقالوا: هو حَرامٌ. فإنْ باعَه، ولم يُبَيِّنْه، فالبَيْعُ صَحِيحٌ في قولِ أكْثَر أهْلِ العِلْمِ، منهم مالِكٌ، وأبو حنيفةَ، والشَّافِعِيُّ. وحُكِىَ عن أبى بكرٍ عبدِ العَزِيزِ، أنَّ البَيْعَ باطِلٌ؛ لأنَّه مَنْهِيٌّ عنه. والنَّهْيُّ يَقْتَضِي الفَسادَ. ولَنا، أنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عن التَّصْرِيَةِ، وصَحَّحَ البَيْعَ مَعَها (٤). وقد رُوِىَ عن أبى بكرٍ أنَّه قيل له: ما تَقُولُ في المُصَرَّاةِ؟ فلم يَذْكُرْ جَوابًا.

الفصل الثاني، أنَّه مَتَى عَلِمَ بالمَبِيعِ عَيْبًا، لم يكن عالِمًا به، فله الخِيارُ بين الإمْساكِ والفَسْخِ، سواءٌ كان البائِعُ عَلِمَ العَيْبَ وكَتَمَه، أو لم يَعْلَمْ. لا نَعْلَمُ بين أهْلِ العِلْمِ في هذا خِلافًا. وإثْباتُ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخِيارَ بالتَّصْرِيَةِ تَنْبِيهٌ على ثُبُوتِه بالعَيْبِ. ولأنَّ مُطْلَقَ العَقْدِ يَقْتَضِى السَّلامةَ من العَيْبِ، بِدَليل ما رُوِىَ عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنَّه اشْتَرَى مَمْلُوكًا فكَتَبَ: "هَذا مَا اشْتَرَى محمدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ مِنَ الْعَدَّاءِ بْنِ خالِدٍ، اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا، أوْ أمَةً، لَا دَاءَ بِهِ، وَلَا غَائِلَةَ، بَيْعُ المُسْلِمِ الْمُسلمَ" (٥). فَثَبَتَ


(١) تقدم تخريجه في صفحة ٦.
(٢) في: باب من باع عيبا فليبينه، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٥٥.
(٣) تقدم تخريجه في صفحة ١١١.
(٤) سقط من: م.
(٥) أخرجه البخاري، في: باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا، من كتاب البيوع. صحيح البخاري ٣/ ٧٦. والترمذى، في: باب ما جاء في كتابة الشروط، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذي ٥/ ٢٢١. وابن ماجه، في: باب شراء الرقيق، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>