للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٧٩ - مسألة؛ قال: (والشَّهِيدُ إذا مَاتَ في مَوْضِعِه، لَمْ يُغَسَّلْ، ولم يُصَلَّ عَلَيْهِ).

يعني إذا ماتَ في المُعْتَرَكِ، فإنَّه لا يُغَسَّلُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وهو قولُ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ، ولا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا، إلَّا عن الحسنِ، وسَعِيدِ بن المُسَيَّبِ، قالا: يُغَسَّلُ الشَّهِيدُ، ما ماتَ مَيِّتٌ إلَّا جُنُبًا. والاقْتِدَاءُ بالنَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصْحابِه في تَرْكِ غُسْلِهِم أوْلَى. فأمَّا الصلاةُ عليه، فالصَّحِيحُ أنَّه لا يُصَلَّى عليه. وهو قَوْلُ مالكٍ، والشَّافِعِىِّ، وإسحاقَ. وعن أحمدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أنَّه يُصَلَّى عليه. واخْتَارَها الخَلَّالُ. وهو قَوْلُ الثَّوْرِىِّ، وأبى حنيفةَ. إلَّا أن كلامَ أحمدَ في هذه الرِّوَايَةِ يُشِيرُ إلى أنَّ الصلاةَ عليه مُسْتَحَبَّةٌ، غيرُ وَاجِبَةٍ. قال في مَوْضِعٍ: إن صُلِّىَ عليه فلا بَأْسَ به (١). وفي مَوْضِعٍ آخَرَ، قال: يُصَلَّى عليه (٢)، وأهْلُ الحِجَازِ لا يُصَلُّونَ عليه، وما تَضُرُّهُ الصلاةُ، لا بَأْسَ به. وصَرَّحَ بذلك في رِوَايَةِ المَرُّوذِىِّ، فقال: الصلاةُ عليه أجْوَدُ، وإن لم يُصَلُّوا عليه أجْزَأَ. فكأنَّ الرِّوَايَتَيْنِ في اسْتِحْبَابِ الصلاةِ، لا في وُجُوبِها، إحْدَاهُما يُسْتَحَبُّ؛ لما رَوَى عُقْبَةُ، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- خَرَجَ يَوْمًا، فصَلَّى على أهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَه على المَيِّتِ، ثم انْصَرَفَ إلى المِنْبَرِ. مُتَّفَقٌ عليه (٣). وعن ابنِ عَبَّاسٍ، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صَلَّى على قَتْلَى أُحُدٍ (٤). ولَنا، ما رَوَى جَابِرٌ، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمَرَ بِدَفْنِ شُهَدَاءِ أُحُدٍ في دِمَائِهم، ولم يُغَسِّلْهم، ولم يُصَلِّ عليهم. [رَواهُ البُخَارِىُّ] (٥). ولأنَّه لا يُغَسَّلُ مع إمْكانِ غَسْلِه، فلم يُصَلَّ


(١) سقط من: الأصل، أ.
(٢) سقط من: أ، م.
(٣) تقدم تخريجه في صفحة ٤٥٥.
(٤) أخرجه البيهقي، في: باب من زعم أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى على شهداء أحد، من كتاب الجنائز. السنن الكبرى ٤/ ١٣.
(٥) في الأصل، م: "متفق عليه". ولم يروه مسلم، انظر تحفة الأشراف ٢/ ١٦.
والحديث أخرجه البخاري، في: باب الصلاة على الشهيد، وباب من لم ير غسل الشهداء، بدون لفظ: "ولم =

<<  <  ج: ص:  >  >>