للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدْخُلُ دارًا، فحُمِلَ فأُدْخِلَها. أو لا يخْرُجُ منها، فأُخْرِج مَحْمُولًا، أو مَدْفُوعًا بغيرِ اخْتِيارِه، ولم يُمْكِنْه الامْتِنَاعُ. فهذا لا يحْنَثُ فى قولِ أكثَرِهم. وبه قال أصحابُ الرَّأْىِ. وقال مالِك: إنْ دَخَلَ مَرْبُوطًا، لم يحْنَثْ. وذلك لأنَّه لم يفْعَلِ الدُّخولَ والخُروجَ، فلم يحْنَثْ، كما لو لم يُوجَدْ ذلك. [وأمَّا إنْ أُكْرِهَ] (٧) بالضَّربِ والتَّهْديد بالقَتْلِ ونحوِه، فقال أبو الخَطَّابِ: فيه رِوايتان، كالنَّاسِى. وللشّافِعِىِّ قَوْلان. وقال مالِك، وأبو حنيفةَ: يَحْنَثُ؛ لأنَّ الكَفّارَةَ لا تسْقُطُ بالشُّبْهَةِ، فوَجَبَ مع الإِكْراهِ والنِّسْيانِ، ككَفَّارَةِ الصَّيْدِ. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عُفِىَ لأمَّتِى عَنِ الْخَطَأِ، والنِّسْيَانِ، وما اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ" (٨). ولأنَّه نَوْعُ إكْراهٍ، فلم يحْنَثْ به، كما لو حُمِلَ ولم يُمْكِنْه الامْتِناعُ، ولأَنَّ الفعلَ لا يُنْسَبُ إليه، فأشْبَهَ مَن لم يَفْعَلْه، ولا نُسَلِّمُ الكفارَةَ فى الصَّيْدِ، بل إنَّما تَجِبُ على المُكْرَه. واللَّهُ أعلمُ.

١٧٨٠ - مسألة؛ قال: (ومَنْ حَلَفَ عَلَى شَىْءٍ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّه كَاذِبٌ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْه، لِأَنَّ الَّذِى أَتَى بِهِ أعْظَمُ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِيهِ الْكَفَّارَةُ)

هذا ظاهِرُ المَذْهَبِ، نَقَلَه الجماعَةُ عن أحمد. وهو قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ، منهم؛ ابنُ مسعود، وسعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، والحسنُ، ومالِكٌ، والأوزاعِىُّ، والثَّوْرِىُّ، واللَّيْثُ، وأبو عُبَيْدٍ، وأبو ثَوْرٍ، وأصحابُ الحديثِ، وأصحابُ الرَّأْىِ من أهلِ الكوفَةِ. وهذه الْيَمِينُ تُسَمَّى يَمِينَ الغَمُوس؛ لأنها تَغْمِسُ صاحِبَها فى الإِثْمِ. قال ابنُ مسعودٍ: كُنَّا نَعُدُّ من اليمينِ التى لا كَفَّارَةَ لها، اليَمِينَ الغَمُوسَ (١). وعن سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، قال: هى من الكبائرِ، وهى أعظمُ من أن تُكَفَّرَ. ورُوِىَ عن أحمدَ، أَنَّ فيها الكَفّارَةَ. ورُوِىَ ذلك عن عَطاء، والزُّهْرِىِّ، والحَكَمِ، والْبَتِّىِّ. وهو قولُ الشافِعِىِّ؛ لأنَّه وُجِدَت منه اليَمِينُ باللَّه تعالَى، والمُخالَفَةُ مع القَصْدِ، فلَزمَتْه الكفَّارَةُ، كالمُسْتَقْبَلَةِ. ولَنا، أَنَّها يَمِينٌ غيرُ مُنْعَقِدَةٍ، فلا تُوجِبُ الكَفَّارَةُ، كاللَّغْوِ، أو يَمِينٌ على ماضٍ، فأشْبَهتِ اللَّغْوَ، وبيانُ


(٧) فى م: "والثانى أن يكره".
(٨) تقدم تخريجه، فى: ١/ ١٤٦.
(١) أخرجه البيهقى، فى: باب فى اليمين الغموس، من كتاب الأيمان. السنن الكبرى ١٠/ ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>