للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حنيفةَ: يُسَوَّى (٣٢) بين القَرِيبِ والبَعِيدِ، ويُقْسَمُ على جَمِيعهِم؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- جَعَلَ دِيةَ المَقْتُولةِ على عَصَبةِ القاتِلَةِ. ولَنا، أنَّه حُكْمٌ تعَلَّقَ بالتَّعْصِيبِ، فوَجَبَ أن يُقَدَّمَ فيه الأقْرَبُ فالأقْربُ، كالميراثِ، والخَبَرُ لا حُجَّةَ فيه؛ لأنَّنا نَقْسِمُه على الجماعةِ إذا لم يَفِ به الأقْرَبُ، فنَحْمِلُه على ذلك.

فصل: ولا يَحْمِلُ العَقْلَ إلَّا مَنْ يُعْرَفُ نَسَبُه من القاتلِ، أو يُعْلَمُ أنَّه مِن قَوْمٍ يَدْخُلُون كلُّهم في العَقْلِ، ومَنْ لا يُعْرَفُ ذلك منه لا يَحْمِلُ، وإن كان من قَبِيلَتِه، فلو كان القاتلُ قُرَشِيًّا، لم يَلْزَمْ قُرَيْشًا كلَّهم التَّحَمُّلُ، فإنَّ قُرَيشًا وإن كانوا كلُّهم يَرْجِعُونَ إلى أبٍ واحدٍ، إلَّا أنَّ قَبائِلَهُم تفَرَّقَتْ، وصار كلُّ قومٍ يُنْسَبُون (٣٣) إلى أبٍ يتَمَيَّزُونَ به، فيَعْقِلُ عنهم مَنْ يُشارِكُهُم في نَسَبِهِم إلى الأَبِ الأدْنَى، ألَا تَرَى أنَّ الناسَ كلَّهم بَنُو آدَمَ، فهم راجِعُونَ إلى أبٍ واحدٍ، لكن إن كان من فَخِذٍ واحدٍ (٣٤)، يُعْلَمُ أنَّ جَمِيعَهم يتَحَمَّلُون، وجبَ أن يَحْمِلَ جَمِيعُهم، سواءٌ عَرَفَ أحَدُهُم نَسَبَه أو لم يَعْرِفْ؛ للعِلْمِ بأنَّه مُتَحَمِّلٌ على أىِّ وَجْهٍ كان. وإن لم يَثْبُتْ نَسَبُ القاتِلِ من أحدٍ، فالدِّيَةُ في بَيْتِ المالِ؛ لأنَّ المسلمينَ يَرِثُونَه إذا لم يَكُنْ له (٣٥) وارِثٌ، بمعنى أنَّه يُؤْخَذُ مِيراثُه لبيتِ المالِ، فكذلك يَعْقِلُونَه على هذا الوَجْهِ. وإن وُجِدَ له مَنْ يَحْمِلُ بعضَ العَقْلِ، فالباقى في بيتِ المالِ كذلك.

فصل: ولا خِلافَ بين أهلِ العلمِ، في أنَّ العاقلةَ لا تُكَلَّفُ من العَقْلِ (٣٦) ما يُجْحِفُ بها، ويَشُقُّ عليها؛ لأنَّه لازِمٌ لها من غيرِ جِنايَتِها على سبيلِ المُواساةِ للقاتلِ، والتَّخْفِيفِ عنه، فلا يُخَفَّفُ عن الجانِى بما يَثْقُلُ على غيرِه، ويُجْحِفُ به، كالزَّكاةِ،


(٣٢) في م: "ليسوى".
(٣٣) في ب، م: "ينتسبون".
(٣٤) سقط من: الأصل.
(٣٥) سقط من: الأصل، ب.
(٣٦) في م: "المال".

<<  <  ج: ص:  >  >>