للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا فإنَّ النِّيَّةَ أن يَعْتَقِدَ أنَّها زكاتُه، أو زكاةُ مَن يُخْرِجُ عنه. كالصَّبِىِّ والمَجْنُونِ، ومَحَلُّهَا القَلْبُ؛ لأنَّ مَحَلَّ الاعْتِقَادَاتِ كُلّها القَلْبُ.

فصل: ويجوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ على الأداءِ بالزَّمَنِ اليَسِيرِ، كسائِرِ العِبَادَاتِ؛ ولأنَّ هذه تجوزُ النِّيَابَةُ فيها، فاعْتِبارُ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ لِلإخْرَاجِ يُؤَدِّى إلى التَّغْرِيرِ بمَالِه، فإن دَفَعَ الزَّكَاةَ إلى وَكِيلِه، ونَوَى هو دُونَ الوَكِيلِ، جَازَ إذا لم تَتَقَدَّمْ نِيَّتُه الدَّفْعَ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ. وإن تَقَدَّمَتْ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ لم يَجُزْ، إلَّا أن يَكُونَ قد نَوَى حَالَ الدَّفْعِ إلى الوَكِيلِ، ونَوَى الوَكِيلُ عند الدَّفْعِ إلى المُسْتَحِقِّ، ولو نَوَى الوَكِيلُ ولم يَنوِ المُوَكِّلُ لم يَجُزْ؛ لأن الفَرْضَ يَتَعَلَّقُ به، والإجْزَاءُ يَقَعُ عنه. وإن دَفَعَها إلى الإمَامِ نَاوِيًا ولم يَنْوِ الإمَامُ حَالَ دَفْعِها إلى الفُقَرَاءِ، جَازَ، وإن طَالَ؛ لأنَّه وَكِيلُ الفُقَرَاءِ. ولو تَصَدَّقَ الإنْسَانُ بجَمِيعِ مَالِه تَطَوُّعًا ولم يَنْوِ به الزَّكَاةَ، لم يُجْزِئْهُ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ. وقال أصْحَابُ أبِى حَنِيفَةَ: يجْزِئُه اسْتِحْسانًا (٤). ولا يَصِحُّ؛ لأنَّه لم يَنْوِ بِهِ الفَرْضَ، فلم يُجْزِئْهُ، كما لو تَصَدَّقَ بِبَعْضِه، وكما لو صَلَّى مائةَ رَكْعَةٍ ولم يَنْوِ الفَرْضَ بها.

فصل: ولو كان له مالٌ غَائِبٌ فشَكَّ فى سَلامَتِه، جَازَ له إخْرَاجُ الزَّكَاةِ عنه، وكانت نِيَّةُ الإخْرَاجِ صَحِيحَةً؛ لأنَّ الأصْلَ بَقَاؤُهُ. فإن نَوَى: إن كان مَالِى سَالِمًا فهذه زَكَاتُه، وإن كان تَالِفًا فهى تَطَوُّعٌ. فبَانَ سَالِمًا، أجْزَأَتْ نِيَّتُه؛ لأنَّه أخْلَصَ النِّيَّةَ لِلْفَرْضِ، ثم رَتَّبَ عليها النَّفْلَ، وهذا حُكْمُها كما لو لم يَقُلْه، فإذا قَالَهُ لم يَضُرَّ. ولو قال: هذا زَكاةُ مَالِى الغَائِبِ أو الحَاضِرِ. صَحَّ؛ لأنَّ التَّعْيِينَ ليس بِشَرْطٍ، بِدَلِيلِ أنَّ من له أرْبَعُونَ دِينَارًا إذا أخْرَجَ نِصْفَ دِينارٍ عنها، صَحَّ، وإن كان ذلك يَقَعُ عن عِشْرِينَ غيرِ مُعَيَّنَةٍ. وإن قال: هذا زَكَاةُ مَالِى الغَائِبِ أو تَطَوُّعٌ. لم يجْزِئْهُ. ذَكَرَهُ أبُو بَكْرٍ. لأنه لم يُخْلِصِ النِّيَّةَ لِلْفَرْضِ. أشْبَه ما لو قال:


(٤) فى أ، ب، م: "استحبابا".

<<  <  ج: ص:  >  >>