للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يَتَوَلَّى ذلك بِنَفْسِه. وقال بعضُ أصْحابِ الشافِعِيِّ: يَبِيعُها بإذْنِ الإِمَامِ. ولَنا، أنَّه إذا جازَ له أكْلُها بغيرِ (٢٠) إذْنٍ، فَبَيْعُها أَوْلَى. ولم يَذْكُر أصْحَابُنا لها تَعرِيفًا في هذه المَواضِع. وهذا قولُ مالِكٍ؛ لِحَدِيثِ زَيْدِ بن خالِدٍ؛ فإنَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "خُذْها، فإنَّما هِىَ لَكَ أو لِأَخِيكَ أو لِلذِّئْبِ". ولم يَأْمُرْ بِتَعْرِيفِها، كما أمَرَ في لُقَطَةِ الذَّهَبِ والوَرِقِ. ولَنا، أنَّها لُقَطَةٌ لها خَطَرٌ، فوَجَبَ تَعْرِيفُها، كالمَطْعُومِ الكَثِيرِ، وإنَّما تَرَكَ ذِكْرَ تَعْرِيفِها لأنَّه ذَكَرَها بعدَ بَيَانِه التَّعْرِيفَ فيما سِوَاها، فاسْتَغْنَى بذلك عن ذِكْره فيها، ولا يَلْزَمُ من جَوَازِ التَّصَرُّفِ فيها في الحَوْلِ سُقُوطُ التَّعْرِيفِ، كالمَطْعُومِ.

فصل: إذا أكَلَها ثَبَتَتْ قِيمَتُها في ذِمَّتِه، ولا يَلْزَمُه عَزْلُها؛ لِعَدَمِ الفائِدَةِ في ذلك، فإنَّها لا تَنْتَقِلُ من الذِّمَّةِ إلى المالِ المَعْزُولِ. ولو عَزَلَ شَيْئًا ثم أفْلَسَ، كان صاحِبُ اللَّقَطِ أسْوَةَ الغُرَماءِ، ولم يَخْتَصَّ بالمالِ المَعْزُولِ. وإن باعَها، وحَفِظَ ثَمَنَها، وجاءَ صاحِبُها، أخَذَه، ولم يُشَارِكْه فيه أحدٌ من الغُرَماءِ؛ لأنَّه عَيْنُ مالِه، لا شَىءَ لِلْمُفلِسِ فيه.

فصل: وإذا الْتَقَطَ ما لا يَبْقَى عامًا، فذلك نَوْعانِ؛ أحَدُهُما ما لا يَبْقَى بعِلَاجٍ ولا غيرِه، كالطَّبيخِ، والبِطِّيخِ، والفاكِهَةِ التي لا تُجَفَّفُ، والخَضْرَاواتِ. فهو مُخَيَّرٌ بين أكْلِه، وبَيْعِه وحِفْظِ ثَمَنِه، ولا يجوزُ إبْقاؤُه؛ لأنَّه يَتْلَفُ. فإن تَرَكَه حتى تَلِفَ، فهو من ضَمَانِه؛ لأنَّه فَرَّطَ في حِفْظِه، فلَزِمَه ضَمَانُه، كالوَدِيعَةِ. فإن أكلَه ثَبَتَتِ القِيمَةُ في ذِمَّتِه، على ما ذَكَرْناه في لُقَطَةِ الغَنَمِ. وإن باعَهُ وحَفِظَ ثَمَنَه، جازَ. وهذا ظاهِرُ مذهبِ الشافِعِيِّ. وله أن يَتَوَلَّى بَيْعَه بِنَفسِه. وعن أحمدَ، أنَّ (٢١) له بَيْعَ اليَسِيرِ، وإن كان كَثِيرًا دَفَعَه إلى السُّلْطانِ. وقال أصحابُ الشافِعِيِّ: ليس له بَيْعُه


(٢٠) في الأصل: "من غير".
(٢١) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>