للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٤٥٦ - مسألة؛ قال: (وَإذَا اشْتَرَكَ الْجَمَاعَةُ فِي الْقَتْلِ، فَأحَبَّ الأَوْلِيَاءُ أنْ يَقْتُلُوا الْجَمِيعَ، فَلَهُمْ ذلِكَ، وإنْ أحَبُّوا أنْ يَقْتُلُوا الْبَعْضَ، ويَعْفُوا عَنِ الْبَعْضِ، وَيأْخُذُوا الدِّيَةَ مِنَ الْبَاقِينَ، فَلَهُمْ ذلِكَ)

أمَّا قَتْلُهُم للجميعِ، فقد ذكَرناه فيما مَضَى، وأمَّا إنْ أحَبُّوا قَتْلَ البعضِ فلهم ذلك، لأنَّ كلَّ مَنْ لهم قَتْلُه فلهم الْعَفْوُ عنه، كالمُنْفَرِدِ، ولا يَسْقُطُ القِصاصُ عن البعض بعَفْوِ البعضِ؛ لأنَّهما شَخْصانِ، فلا يَسْقُطُ القِصاصُ عن أحَدِهما بإسْقاطِه عن الآخَرِ، كما لو قَتَلَ كلُّ واحدٍ رَجُلًا. وأمَّا إذا اختارُوا أخْذَ الدِّيَةِ من القاتِلِ، أو من بعضِ القَتَلةِ، فإنَّ لهم هذا من غيرِ رِضَى الجانِي. وبهذا قال سعيدُ بن المُسَيَّبِ، وابنُ سِيرِينَ، والشافعيُّ، وعَطاءٌ، ومُجاهِدٌ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وابْن المُنْذِرِ. وقال النَّخَعِيُّ، ومالكٌ، وأبو حنيفةَ: ليس للأوْلِياءِ إلَّا القَتْلُ، إلَّا أن يَصْطَلِحَا على الدِّيَةِ برِضَى الجانِي. وعن مالكٍ، روايةٌ أُخْرَى، كقَوْلِنا. واحْتَجُّوا بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} (١). والمَكْتُوبُ لا يُتَخَيَّرُ فيه، ولأنَّه مُتْلَفٌ يَجِبُ به البَدَلُ، فكان بَدَلُه مُعَيَّنًا، كسائرِ أبْدالِ المُتْلَفاتِ. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} (١). قال ابنُ عباسٍ: كان في بَنِى إسرائيلَ القِصاصُ، ولم يَكُنْ فيهم الدِّيَةُ، فأنْزَلَ اللهُ تعالى هذه الآية: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}. الآية، {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ}. فالعَفْوُ أن تُقْبَلَ في العَمْدِ الدِّيةُ {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} يَتْبَعُ الطَّالِبُ بمَعْرُوفٍ (٢)، ويُؤَدَّى إليه المَطْلُوبُ {بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ}. ممَّا كتبَ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ. رَوَاه البُخَارِىُّ (٣). ورَوَى أبو هُريرةَ، قال: قام رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "مَنْ قُتِلَ


(١) سورة البقرة ١٧٨.
(٢) في م: "بالمعروف".
(٣) في: باب: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى. . .}، من كتاب التفسير، وفي: باب من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، من كتاب الديات. صحيح البخاري ٦/ ٢٨، ٢٩، ٩/ ٦، ٧. =

<<  <  ج: ص:  >  >>