للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحَمْلُ، فتُعْطِيه عن ذلك شيئًا، أىَّ شىءٍ كانَ، مثلَ ما ألزمْناه فى مسألةِ المَتْاعِ. وقال القاضى: لا شىءَ له، وتأوَّلَ قولَ أحمدَ: تُرضيه بشىءٍ على الاسْتِحْبابِ؛ لأنَّه لو كان واجبًا، لَتَقَدَّرَ بتقديرٍ يُرْجَعُ إليه. وفَرْقٌ بينَ هاتَيْنِ المسألتَيْنِ ومسألةِ الدَّراهمِ والمتاعِ، حيثُ يَرْجِعُ فيهما بأقلِّ ما يقَعُ عليه الاسمُ إذا لم يجدْ شيئًا، وههُنا لا يَرْجِعُ بشىءٍ إذا لم يجد حَمْلًا ولا ثمرةً أَنَّ (١٣) ثَمَّ أوهمَتْه أَنَّ معها دراهمَ، وفى بيتها متاعٌ؛ لأنَّها خاطبَتْه بلفظٍ يقْتَضِى الوُجودَ مع إمْكانِ عِلْمِها به، فكان له ما دلَّ عليه لفظُها، كما لو خالَعَتْه على عبدٍ فوُجِدَ (١٤) حُرًّا، وفى هاتَيْنِ المسألتينِ دخلَ معها فى العَقْدِ مع تَساوِيهِمَا فى العلمِ فى الحالِ، ورِضاهما بما فيه مِن الاحْتمالِ، فلم يكُنْ له شىءٌ غيرَه، كما لو قال: خالَعْتُك على هذا الحُرِّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يصحُّ العِوَضُ ههُنا؛ لأنَّه معدومٌ. ولَنا، أَنَّ ما جازَ فى الحَمْلِ فى البَطْنِ، جازَ فيما يَحْمِلُ، كالوَصيَّةِ. واخْتارَ أبو الخطَّابِ أَنَّ له فى هذه الأقسامِ الثَّلاثةِ المُسَمَّى فى الصَّداقِ. وأوْجَبَ له الشَّافعىُّ مهرَ المِثْلِ. ولم يُصحِّحْ أبو بكرٍ الخُلْعَ فى هذا كلِّه. وقد ذكرنا نُصوصَ أحمدَ على جَوازِه، والدَّليلَ عليه. واللَّهُ أعلمُ.

فصل: إذا خالعَتْه على رَضاعِ ولدِه سَنتيْنِ، صحَّ، وكذلك إن جعَلا وَقْتًا معلومًا، قلَّ أو كَثُرَ. وبهذا قال الشَّافعىُّ؛ لأنَّ هذا ممَّا تَصحُّ المُعاوَضَةُ عليه فى غير الخُلْعِ، ففى الخُلْعِ أوْلَى. فإن خالعَتْه على رَضاعِ ولدِه مُطْلقًا، ولم يَذكُرا مُدَّتَه، صحَّ أيضًا، ويَنْصرفُ إلى ما بَقِىَ من الحَوْلَيْنِ. نَصَّ عليه أحمدُ، قيل له: ويَستقيمُ هذا الشَّرطُ رَضاعُ ولدِها، ولا يقولُ: ترضِعُه سنتَينِ؟ قال: نعم. وقال أصحابُ الشَّافعىِّ لا يصحُّ حتى يَذْكُرَا مدَّةَ الرَّضاعِ، كما لا تصِحُّ الإجارة حتى يذْكُرا المدَّةَ. ولَنا، أَنَّ اللَّه تعالى قيَّدَهُ بالحَوْليْنِ، فقال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ


(١٣) سقط من: ب، م.
(١٤) فى ب، م: "فوجود".

<<  <  ج: ص:  >  >>