للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَرْطٌ يُنَافِى مُقْتَضَى العَقْدِ فلم يَصِحَّ، كما لو شَرَطَ أنَّ له بَيْعَهُ متى شاءَ، ولأنَّه إزَالَةُ مِلْكٍ للهِ تعالى، فلم يَصِحَّ اشْتِرَاطُ الخِيَارِ فيه كالعِتْقِ (٢)، ولأنَّه ليس بعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، فلم يَصِحَّ اشْتِراطُ الخِيَارِ فيه، كالهِبَةِ. ويُفَارِقُ الإِجارَةَ، فإنها عَقْدُ مُعَاوَضةٍ، وهى نَوْعٌ من البَيْعِ، ولأنَّ الخِيَارَ إذا دَخَلَ في العَقْدِ، مَنَعَ ثُبُوتَ حُكمِه قبلَ انْقِضَاءِ الخِيَارِ أو التَّصَرُّفِ، وههُنا لو ثَبَتَ الخِيَارُ، لَثَبَتَ مع ثُبُوتِ حُكْمِ الوَقْفِ، ولم يَمْنَعِ التَّصَرُّفَ، فافْتَرَقَا.

فصل: وإن شَرَطَ في الوَقْفِ أن يُخْرِجَ مَنْ شاءَ مِن أهْلِ الوَقْفِ، ويُدْخِلَ مَنْ شاءَ من غيرِهم، لم يَصِحَّ؛ لأنَّه شَرْطٌ يُنَافِى مُقْتَضَى الوَقْفِ، فأفْسَدَه. كما لو شَرَطَ أن لا يَنْتَفِعَ به (٣). وإن شَرَطَ لِلنّاظِرِ أن يُعْطِىَ من يشَاءُ من أهْلِ الوَقْفِ، ويَحْرِمَ مَن يَشَاءُ، جازَ؛ لأنَّ ذلك ليس بإخْرَاجٍ لِلْمَوْقُوفِ عليه من الوَقْفِ، وإنَّما عَلَّقَ اسْتِحْقاقَ الوَقْفِ بصِفَةٍ، فكأنَّه جَعَلَ له حَقًّا في الوَقْفِ، إذا اتَّصَفَ بإرَادَةِ الوَالِى لِعَطِيَّتِه (٤)، ولم يَجْعَلْ له حَقًّا إذا انْتَفَتْ تلك الصِّفَةُ فيه، فأشْبَهَ ما لو وَقَفَ على المُشْتَغِلِينَ بالعِلْمِ (٥) من وَلَدِه، فإنَّه يَسْتَحِقُّ منهم مَن اشْتَغَلَ به دُونَ مَن لم يَشْتَغِلْ، فلو تَرَكَ المُشْتَغِلُ الاشْتِغَالَ زَالَ اسْتِحْقاقُه (٦)، وإذا عادَ إليه عادَ اسْتِحْقَاقُه. واللَّه أعلمُ.

فصل: إذا جَعَلَ عُلْوَ دارِه مَسْجِدًا دُونَ سُفْلِها، أو سُفْلَها دون عُلْوِها، صَحَّ، وقال أبو حنيفةَ: لا يَصِحُّ؛ لأنَّ المَسْجِدَ يَتْبَعُه هَواؤُه. ولَنا، أنَّه يَصِحُّ بَيْعُها، كذلك يَصِحُّ (٧) وَقْفُه، كالدَّارِ جَمِيعِها، ولأنَّه تَصَرُّفٌ يُزِيلُ المِلْكَ إلى مَن يَثْبُتُ له حَقُّ الاسْتِقْرارِ والتَّصَرُّفِ، فجازَ فيما ذَكَرْنا كالبَيْعِ.


(٢) في ب، م: "كالعقد".
(٣) سقط من: م.
(٤) في الأصل: "بعطيته".
(٥) سقط من: ب، م.
(٦) في ب، م: "الاستحقاق".
(٧) في الأصل: "فصح".

<<  <  ج: ص:  >  >>