للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"خُذُوا لَهُ مِائَةَ شِمْرَاخٍ، فَاضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً" (٣١). ولَنا، ما رُوِىَ عن عليٍّ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّه قال: إنَّ أَمَةً لرسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- زَنَتْ، فأَمَرَنِى أن أجْلدَها، فإذا هي حَدِيثَةُ عَهْدٍ بِنِفَاسٍ، فخَشيْتُ إن أنا جَلَدْتُها أن أَقْتُلَها، فذكَرْتُ ذلك لرسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "أَحسَنْتَ". رواه مُسْلِمٌ، والنَّسَائِيُّ، وأبو داودَ (٣٢). ولفظُه، قال: فَأَتَيْتُهُ، فقال: "يا عَلِىُّ، أَفَرَغْتَ؟ " فقُلْتُ: أَتَيْتُها ودَمُها يسيلُ. فقال: "دَعْهَا حَتَّى يَنْقَطِعَ عَنْها الدَّمُ، ثُمَّ أَقِمْ عَلَيْها الْحَدَّ". وفي حَدِيثِ أبي بَكْرَةَ، أنَّ المرأةَ انطقَتْ، فوَلَدَتْ غُلَامًا، فجاءَتْ به النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال لها: "انْطَلِقِى، فَتَطَهَّرِى مِنَ الدَّمِ". روَاه أبو داود (٣٣). ولأنَّه لو تَوَالَى عليه حَدَّانِ، فاسْتُوفِىَ أحدُهما، لم يُسْتَوْفَ الثَّانِى حتى يَبْرَأَ من الأوَّلِ، ولأنَّ في تأخيرِه إقامَةَ الحَدِّ على الكَمَال، من غيرِ إتْلافٍ، فكان أَولَى.

فصل: والمريضُ على ضَرْبَيْنِ؛ أحدُهما، يُرْجَى بُرْؤُه، فقال أصحابُنا: يُقَامُ عليه الحَدُّ، ولا يُؤَخَّرُ. كما قالَ أبو بكرٍ في النُّفَسَاءِ. وهذا قولُ اسحاقَ، وأبى ثَوْرٍ، لأنَّ عمرَ، رَضِىَ اللَّه عنه أقامَ الحَدَّ عَلَى قُدامَةَ بنِ مَظْعُونٍ في مَرَضِه، ولم يُؤَخِّرْه (٣٣)، وانتشرَ ذلك في الصَّحَابَةِ، فلم يُنْكِرُوه، فكان إجْماعًا، ولأنَّ الحَدَّ واجبٌ فلا يُؤَخَّرُ ما أوجَبَهُ اللهُ بغيرِ حُجَّةٍ. قال القاضي: وظاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ تأخيرُه؛ لقولِه في مَن يجبُ


(٣١) أخرجه أبو داود، في: باب في إقامة الحد على المريض، من كتاب الحدود. سنن أبي داود ٢/ ٤٧٠، ٤٧١، والنسائي في: باب توجيه الحاكم إلى من أخبر أنه زنى، من كتاب القضاة. المجتبى ٨/ ٢١٢، ٢١٣. وابن ماجه، في: باب الكبير والمريض يجب عليه الحد، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٥٩. والإِمام أحمد في: المسند ٥/ ٢٢٢.
(٣٢) أخرجه مسلم، في: باب تأخير الحد على النفساء، من كتاب الحدود. صحيح مسلم ٣/ ١٣٣٠. وأبو داود، في: باب في إقامة الحد على المريض، من كتاب الحدود. سنن أبي داود ٢/ ٤٧١. والترمذي، في: باب ما جاء في إقامة الحد على الإِماء، من أبواب الحدود. عارضة الأحوذى ٦/ ٢٢٠. والإِمام أحمد في: المسند ١/ ١٥٦. والدارقطني، في: كتاب الحدود والديات وغيره. سنن الدارقطني ٣/ ١٥٨.
(٣٣) تقدم تخريجه، في صفحة ٢٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>