للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه الحَدُّ: وهو صحيحٌ عاقِلٌ. وهذا قولُ أبِي حنيفةَ، ومالِكٍ، والشَّافِعِيِّ؛ لحديثِ عليٍّ، رَضِىَ اللهُ عنه، في التي هي حَدِيثَةُ عَهْدٍ بِنِفاسٍ، وما ذَكَرْنَاه من المعنى. وأمَّا حديثُ عمرَ، في جَلْدِ قُدامَةَ، فإنَّه يَحْتَمِلُ أنَّه كان مَرَضًا خَفِيفًا، لَا يمْنَعُ من إقامَةِ الحَدِّ على الكمالِ، ولهذا لم يُنْقَلْ عنه أنَّه خَفَّفَ عنه في السُّوْطِ، وإنَّما اخْتارَ له سَوْطًا وسَطًا، كالذى يُضْرَبُ به الصَّحِيحُ، ثم إنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُقَدَّمُ على فِعْلِ عمرَ، مع أنَّه اخْتِيارُ عليٍّ وفِعْلُه، وكذلك الحُكْمُ في تأخيرِه لأجْلِ الحَرِّ والبَرْدِ المُفْرِطِ. الضَّرب الثَّانِى، المريضُ الذي لا يُرْجَى بُرْؤُهُ. فهذا يُقَامُ عليه الحَدُّ (٣٤) في الحالِ ولا يُؤَخَّرُ، بسَوْطٍ يُؤْمَنُ معه التَّلَفُ، كالقَضِيبِ الصَّغِيرِ، وشِمْرَاخِ النَّخْلِ، فإن خِيفَ عليه من ذلك، جُمِعَ ضِغْثٌ فيه مائةُ شِمْرَاخٍ، فضُرِبَ به ضَرْبَةً وَاحِدَةً. وبهذا قال الشَّافِعِيُّ. وأنكرَ مالِكٌ هذا، وقال: قد قال اللهُ تعالى: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (٣٥). وهذا جَلْدَةٌ واحِدَةٌ. ولَنا، ما رَوَى أبو أُمامَةَ بنُ سَهْلِ بنِ حُنَيفٍ، عن بعضِ أصْحابِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّ رجلًا منهم اشْتَكَى حتى ضَنِىَ، فدخلَتْ عليه امرأةٌ فهَشَّ لها، فوقَعَ بها، فسُئِلَ له رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، [فأمرَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-] (٣٦) أن يأْخُذُوا مِائَةَ شِمْرَاخٍ فيَضْرِبُوه ضَرْبَةً وَاحِدَةً. رواه أبو داودَ، والنَّسَائِيُّ (٣٧). وقال ابنُ المُنْذِرِ: في إسْنادِه مقالٌ. ولأنَّه لا يخْلُو من أن يُقامَ الحَدُّ على ما ذكَرْنَا، أو لا يُقامَ أصْلًا، أو يُضْرَبَ ضَرْبًا كامِلًا لا يجوزُ تَرْكُه بالكُلِّيَّةِ؛ لأنَّه يُخالِفُ الكتابَ والسُّنَّةَ، ولا يجوزُ جَلْدُه جَلْدًا تامًا؛ لأنَّه يُفْضِي إلى إتْلافِه، فتعيَّنَ ما ذكَرْنَاه. وقولُهم: هذا جَلْدَةٌ واحدةٌ. قُلْنا: يجوزُ أن يُقَامَ ذلك في حالَ العُذْرِ مُقامَ مِائَةٍ، كما قال اللَّه تعالى في حَقِّ أيُّوب: {وَخُذْ بِيَدِكَ


(٣٤) سقط من: م.
(٣٥) سورة النور ٢.
(٣٦) سقط من: ب.
(٣٧) هو الذي تقدم في الصفحة السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>