للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بجنايةِ غيرِهم، ولا يَزِرُونَ وِزْرَ غيرِهم. وإنْ أبى [أهلُ البَغْيِ] (١٤) مُفاداةَ الأَسْرَى الذين معهم، وحَبَسُوهم، احْتَملَ أن يجوزَ لأَهلِ العدلِ حَبْسُ مَن معهم؛ ليتوصَّلُوا إلى تَخْليصِ أُسَارَاهم بحَبْسِ مَنْ معهم، واحْتَمَلَ (١٥) أن لا يجوزَ حَبْسُهم ويُطْلَقُون؛ لأنَّ الذَّنبَ في حَبْسِ أُسارَى أهلِ العدلِ لغيرِهم.

فصل: فأمَّا غَنيمةُ أمْوالِهم، وسَبْيُ ذُرِّيَّتِهم، فلا نعلَمُ في تَحْريمِه بينَ أهلِ العلمِ خِلافًا، وقد ذكَرْنَا حديثَ أَبي أُمامةَ، وابنِ مسعودٍ؛ ولأنَّهم مَعْصُومون، وإنَّما أُبيحَ من دِمائِهم وأمْوالِهم ما حصلَ من ضَرُورةِ دَفْعِهم وقتالِهم، وما عَداهُ يَبْقَى على أصْلِ التَّحْريمِ. وقد رُوِيَ أنَّ عليًّا، رَضِيَ اللهُ عنه، يومَ الجملِ، قال: مَن عَرَفَ شيئًا من مالِه مع أحدٍ، فَلْيأْخُذْه. وكانَ بعضُ أصحابِ علىٍّ قد أخذَ قِدْرًا وهو يَطْبخُ فيها، فجاءَ صاحِبُها ليأخُذَها، فسَأَلَه الذي يَطْبُخُ فيها إمْهَالَه حتى يَنْضَجَ الطَّبِيخُ، فأبَى، وكَبَّه، وأخَذَها (١٦). وهذا من جُمْلةِ ما نقَمَ الخوارجُ من عليٍّ، فإنَّهم قالُوا: إنه قاتلَ ولم يَسْبِ ولم يَغْنَمْ، فإن حَلَّتْ له دِماؤُهم، فقد حَلَّتْ له أمْوالُهم، وإنْ حَرُمَتْ عليه أَمْوالُهم، فقد حَرُمَتْ عليه دِماؤُهُم. فقال لهم ابن عباسٍ: أفَتَسْبُونَ أُمَّكُم؟ - يعني عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها - أَمْ تَستحِلُّون منها ما تَسْتَحِلُّون من غيرِها؟ فإنْ قُلْتُم: ليست أُمَّكم. فقد كَفَرْتُم، وإن قُلْتُم: إنَّها أُمُّكم. واسْتَحْلَلْتُم سَبْيَهَا، فقد كَفَرتُم (١٧). يَعني بقولِه أنَّكُم إنْ جَحَدْتُم أنَّها أُمُّكم، فقد قال اللَّه تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (١٨). فإِنْ لم تكنْ [أُمًّا لهم] (١٩)، لم يكونوا من المؤمنين. ولأَنَّ قتالَ


(١٤) في م: "البغاة".
(١٥) في م: "ويحتمل".
(١٦) أخرجه ابن أبي شيبة، في: باب في مسيرة عائشة وعلي وطلحة والزبير، وباب ما ذكر في الخوارج، من كتاب الجمل ٥/ ٢٨٧، ٣٣٢.
(١٧) أخرجه البيهقي، في: باب لا يبدأ الخوارج بالقتال حتى. . ., من كتاب قتال أهل البغى. السنن الكبرى ٨/ ١٧٩.
(١٨) سورة الأحزاب ٦.
(١٩) في م: "أموالهم" خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>