للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: واخْتُلِفَ في المعقودِ عليه في الرَّضَاعِ، فقيل: هو خِدْمةُ الصَّبِىِّ وحَمْلُه وَوَضْعُ الثَّدْىِ في [فِيهِ، واللَّبَنُ] (٣) تبعٌ، كالصِّبْغِ في إجَارَةِ الصَّبّاغِ، وماءِ البئْرِ في الدَّارِ؛ لأنَّ اللَّبَنَ عَيْنٌ من الأعْيانِ، فلا يُعْقَدُ عليه في الإِجَارَةِ، كَلَبَنِ غيرِ الآدَمِىِّ وقيل: هو اللَّبَنُ. قال القاضي: هو أشْبَهُ؛ لأنَّه المَقْصُودَ دونَ الخِدْمةِ، ولهذا لو أرْضَعَتْه دونَ أن تَخْدُمَهُ، اسْتَحَقَّتِ الأُجْرَةَ، ولو خَدَمَتْهُ بدون الرَّضَاعِ، لم تَسْتَحِقَّ شَيْئًا، ولأنَّ اللَّه تعالى قال: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}. فجَعَلَ الأجْرَ مُرَتَّبًا على الإرْضاعِ، فيَدُلُّ على أنَّه المَعْقُودُ عليه. ولأنَّ العَقْدَ لو كان على الخِدْمةِ، لَما لَزِمَها سَقْيُه لَبَنَها. وأمَّا كونُه عَيْنًا، فإنَّما جازَ العَقْدُ عليه في الإِجَارةِ رُخْصَةً؛ لأنَّ غيرَه لا يَقُومُ مَقَامَه، والضَّرُورَةُ تَدْعُو إلى اسْتِيفَائِه، وإنَّما جازَ هذا في الآدَمِيِّينَ دونَ سائِرِ الحَيَوانِ، للضَّرُورَةِ إلى حِفْظِ الآدَمِىِّ، والحاجَةِ إلى إِبْقائِه.

فصل: وعلى المُرْضِعَةِ أن تَأْكُلَ وتَشْرَبَ ما يَدِرُّ به لَبَنُها، ويَصْلُحُ به، ولِلْمُكْتَرِى مُطَالَبَتُها بذلك؛ لأنَّه من تَمامِ التَّمْكِينِ من الرَّضَاعِ، وفى تَرْكِه إضْرارٌ بالصَّبِىِّ. ومتى لم تُرْضِعْه، [وإنَّما أسْقَتْه] (٤) لَبَنَ الغَنَمِ، أو أطْعَمَتْه، فلا أجْرَ لها؛ لأنَّها لم تُوَفِّ المَعْقُودَ عليه، فأشْبهَ ما لو اكْتَراها لِخياطةِ ثَوْبٍ، فلم تَخِطْهُ. وإن دَفَعَتْه إلى خادِمَتِها فأرْضَعَتْه، فكذلك. وبه قال أبو ثَوْرٍ. وقال أصْحابُ الرَّأْى: لها أجْرُها؛ لأنَّ رَضَاعَه حَصَلَ (٥) بفِعْلِها. ولَنا، أنَّها لم تُرْضِعْه، فأشْبَهَ ما لو سَقَتْه لَبَنَ الغَنَمِ. وإن اخْتَلَفَا، فقالت: أَرْضَعْتُه. فأنْكَرَ المُسْتَرْضِعُ، فالقولُ قولُها؛ لأنَّها مُؤْتَمَنةٌ.

فصل: ويجوزُ لِلرَّجُلِ أن يُؤْجِرَ أَمَتَه، ومُدَبَّرَتَه، وأُمَّ وَلَدِه، ومن عَلَّقَ عِتْقَها بصِفَةٍ، والمَأْذُونَ لها في التِّجَارَةِ، للإِرْضاعِ؛ لأنَّه عَقْدٌ على مَنْفَعَتِها، أشْبهَ إجَارَتَها لِلْخِدْمةِ. وليس لواحِدَةٍ مِنْهُنَّ إجارَةُ نَفْسِها؛ لأنَّ نَفْعَها لِسَيِّدِها. وإن كان لها وَلَدٌ،


(٣) في م: "فمه".
(٤) في الأصل: "أو تسقيه".
(٥) في الأصل، ب: "جعل".

<<  <  ج: ص:  >  >>