للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كيفَ نقولُ؟ قال: قُلْ: بُورِكَ فى المَوْهُوبِ، وشَكَرْتَ الواهِبَ، وبلَغ أَشُدَّه، ورُزِقْتَ بِرَّهُ. ورُوِى أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُحَنِّكُ أوْلادَ الأنْصارِ بالتَّمْرِ (١٣). ورَوَى أَنَسٌ قال: ذَهَبْتُ بعبدِ اللَّهِ بنِ أبى طَلْحَةَ إلى رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، حينَ وُلِدَ قال: "هَلْ مَعَكْ تَمْرٌ؟ ". فناوَلْتُه تَمَراتٍ، فَلاكَهُنّ، ثم فَغَرَ فَاهُ ثم مَجَّهُ فيه، فجعلَ يَتَلمَّظُ. فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "حُبِّ (١٤) الأَنْصارِ التَّمْر". وسَمَّاه عبدَ اللَّه (١٥).

فصل: قال أصحابُنا: لا تُسَنُّ الفَرَعَةُ ولا الْعَتِيرَةُ. وهو قولُ عُلَماءِ الأَمْصارِ سِوَى ابنِ سيرينَ، فإنَّه كان يذْبَحُ العَتِيرةَ فى رجب، ويَرْوِى فيها شيئًا. والفرَعَةُ والفرَعُ؛ بفتحِ الراءِ: أوّلُ ولَدِ الناقَةِ. كانُوا يَذْبَحُونَه لآلِهَتِهم فى الجاهِلِيَّةِ، فنُهُوا عنها. قال ذلك أبو عَمْرٍو الشَّيبانِىُّ. وقال أبو عُبَيْدٍ: العَتِيرَةُ هى الرَّجَبِيَّةُ، كان أهلُ الجاهِلِيَّة إذا طلبَ أحدُهم أمرًا، نذرَ أَنْ يذْبَحَ من غَنَمِه شاةً فى رَجب، وهى الْعَتائِرُ. والصحيحُ، إنْ شاءَ اللَّه تعالَى، أنَّهم كانُوا يَذْبَحُونها فى رَجب من غيرِ نَذْرٍ، جَعَلُوا ذلك سُنَّة فيما بَيْنَهم، كالأُضْحِيَةِ فى الأضْحَى، وكان منهم مَن ينْذُرُها كما قد تُنْذَرُ الأُضْحِيَةُ، بدليلِ قولِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ أُضْحَاةٌ وعَتِيرَةٌ" (١٦). وهذا الذى قالَه النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فى بَدْءِ الإِسلامِ تقريرٌ لما كان فى الجاهِلِيَّةِ، وهو يَقْتَضِى ثُبُوتَها بغيرِ نَذْرٍ، ثم نُسِخَ ذلك بعدُ. ولأنَّ العَتِيرَةَ لو كانت هى الْمَنْذُورَةَ لم تكُنْ مَنْسُوخَةً، فإِنَّ الإِنْسانَ لو نَذَرَ ذَبْحَ شاةٍ فى أىِّ وقتٍ كان، لَزِمَه الوَفاءُ بنَذْرِه. واللَّه أعلم. ورُوِىَ عن عائِشَةَ، رَضِىَ اللَّهُ عنها، قالت: أَمَرَنا


(١٣) تحنيك الأطفال بالتمر رواه مسلم، فى: باب حكم بول الطفل الرضيع. . .، من كتاب الطهارة. صحيح مسلم ١/ ٢٣٧. وأبو داود، فى: باب فى الصبى يولد فيؤذن فى أذنه، من كتاب الأدب. سنن أبى داود ٢/ ٦٢٢. والإمام أحمد، فى: المسند ٦/ ٢١٢. وانظر: حديث أنس التالى.
(١٤) قال النووى: روى بضم الحاء كسرها، فالكسر بمعنى المحبوب، وعلى هذا فالباء مرفوعة، وأما من ضم الحاء فهو مصدر، وفى الباء على هذا وجهان؛ النصب وهو الأشهر، والرفع، فمن نصب فتقديره: انظروا حب الأنصار التمر، فينصب التمر أيضًا، ومن رفع قال: هو مبتدأ حذف خبره، أى حب الأنصار التمر لازم. شرح النووى لمسلم ١٤/ ١٣٣.
(١٥) تقدم تخريجه، فى صفحة ٣٩٧.
(١٦) تقدم تخريجه، فى صفحة ٣٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>