للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحْلوفِ عليه. فإنَّه يَحْنَثُ بأحدِهما ههُنا. وإن قال: أنتِ طالقٌ إن أكلتِ فلَبِسْتِ، أوإن أكَلْتِ ثم لَبِسْتِ. لم تَطْلُقْ حتى تأكلَ ثم تَلْبَسَ؛ لأنَّ الفاءَ وثَمَّ للتَّرْتيبِ. وإن قال: أنتِ طالقٌ إنْ أكَلْتِ، إذا لَبِسْتِ. أو: إن أكلْتِ متى لَبِسْتِ. أو: إن أكَلْتِ إن لَبِسْتِ. لم تَطْلُقْ حتى تَلْبَسَ ثم تَأكلَ؛ لأنَّ اللَّفظَ اقْتَضى تعْليقَ (٤٠) الطَّلاقِ بالأكْلِ بعدَ اللّبْسِ، ويُسمِّيه النَّحْويُّونَ اعْتراضَ الشَّرْطِ [على الشَّرْطِ] (٤١)، فيَقْتَضِى تقْديمَ المُتأخِّرِ وتأخيرَ المُتَقَدِّمِ؛ لأنَّه جعلَ الثَّانىَ فى اللَّفظِ شَرْطًا للذى قبلَه، والشَّرْطُ يتَقدَّمُ المشْروطَ، قالَ اللَّهُ تعالى: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِى إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} (٤٢). فلو قال لامرأتِه: إن أعطيتُك، إن وعدتُك، إن سألْتِينى (٤٣)، فأنتِ طالقٌ. لم تَطْلُقْ حتى تسْألَه، ثم يَعِدَها ثم يُعطيَها؛ لأنَّه شَرَطَ فى العَطِيَّةِ الوَعْدَ، وفى الوعدِ السُّؤالَ، فكأنَّه قال: إن سألْتِينِى (٤٣)، فوعَدْتُك، فأعطيتُك، فأنتِ طالق. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشَّافعىُّ. وقال القاضى إذا كان الشَّرْطُ بإذا كقولنا، وفيما إذا كان بإنْ مثلَ قولِه: إن شربتِ إن أكلتِ. أنَّها تَطْلُقُ بوُجودِهما كيْفما وُجِدا؛ لأنَّ أهلَ العُرْفِ لا يَعرفُون ما يقَولُه أهلُ العربيَّةِ فى هذا، فتَعلَّقتِ اليَمينُ بما يَعْرِفُه أهلُ العُرفِ، بخلافِ ما إذا كان الشَّرطُ بإذا. والصَّحيحُ الأوَّلُ، وليس لأهلِ العُرْفِ فى هذا عُرْفٌ؛ فإنَّ هذا الكلامَ غيرُ مُتَدَاوَلٍ بينهم، ولا يَنْطِقُون به إلَّا نادرًا، فيَجبُ الرُّجوعُ فيه إلى مُقْتَضاه عندَ أهلِ اللِّسانِ (٤٤)، كسائرِ مسائلِ هذا الفصلِ.

فصل: فإن قال: أنتِ طالقٌ أن قُمْتِ. بفتحِ الهمزةِ، فقال أبو بكرٍ: تَطْلُقُ فى


(٤٠) فى الأصل: "تعلق".
(٤١) سقط من: ب، م.
(٤٢) سورة هود ٣٤.
(٤٣) فى أ، ب، م: "سألتنى".
(٤٤) فى ب، م: "الشأن".

<<  <  ج: ص:  >  >>