للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيكونُ ذلك شُبْهةً في دَرْءِ الحَدِّ، لكَوْنِه مما يَنْدَرِئُ بالشُّبُهاتِ، ولَا يجبُ بالبَيِّنَةِ؛ لاحْتمالِ أن يكونَ له شُبْهَةٌ لم (١٢) يُمْكِنْه التَّعْبِيرُ عنها، ولم (١٣) يَعْرِفْ كَوْنَها شُبْهةً. ويَحْتَمِلُ كلامُ الْخِرَقِىِّ أن لا يلْزَمُه (١٤) الحَدُّ بإقرارِه؛ لأنَّه غيرُ صحيحٍ، ولأنَّ الحَدَّ لا يجبُ مع الشُّبْهَةِ، والإِشارةُ لا تنْتَفِى معها الشُّبُهاتُ. فأمَّا البَيِّنَةُ، فيجبُ عليه بها الحَدُّ؛ لأنَّ قولَه معها غيرُ مُعْتَبَرٍ.

فصل: ولا يَصِحُّ الإِقْرارُ من المُكْرَهِ، فلو ضُرِبَ الرجلُ لِيُقِرَّ بالزِّنَى، لم يجبْ عليه الحَدُّ، ولم يَثْبُتْ عليه الزِّنَى. ولا نعلمُ من أهلِ العلم خِلافًا في أنَّ إقرارَ المُكْرَهِ لا يجبُ به حَدٌّ. ورُوِىَ عن عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّه قال: ليس الرجلُ بأمينٍ على نفسِه إذا جَوَّعْتَه، أو ضَرَبْتَه، أو أوْثَقْتَه. رواه سعيد (١٥). وقال ابنُ شِهَابٍ، في رجلٍ اعْتَرَفَ بعد جَلْدِه: ليس عليه حَدٌّ. ولأنَّ الإِقْرارَ إنَّما ثَبَتَ به المُقَرُّ به؛ لوُجودِ الدَّاعِى إلى الصِّدْقِ، وانْتفاءِ التُّهْمَةِ عنه، فإنَّ العاقلَ (١٦) لا يتَّهمُ بقَصْدِ الإِضْرارِ بنفسِه، ومع الإِكْراه يَغْلِبُ على الظَّنِّ أنَّه قَصَدَ بإقْرارِه دَفْعَ ضَرَرِ الإِكْراهِ، فانْتَفَى ظَنُّ الصِّدْقِ عنه، فلم يُقْبَلْ.

فصل: فإن أقرَّ أنَّه وَطِىءَ امرأةً، وادَّعَى أنَّها امرأتُه، وأنْكرَتِ المرأةُ أن يكونَ زوجَها. نَظَرْنا؛ فإن لم تُقِرَّ المرأةُ بِوَطْئِه إيَّاها، فلا حَدَّ عليه؛ لأنَّه لم يُقِرَّ بالزِّنَى، ولا مهرَ لها؛ لأنَّها لا تَدَّعِيه، وإن اعترفتْ بوَطْئِه إيَّاها، وأقرَّتْ بأنَّه زَنَى بها مُطاوِعةً، فلا مَهْرَ عليه أيضًا، ولا حَدَّ على واحدٍ منهما، إلَّا أن يُقِرَّ أربعَ مَرَّاتٍ؛ لأنَّ الحَدَّ لا يجبُ بدُونِ إقْرارِ (١٧) أرْبَعِ مَرَّاتٍ (١٨)، وإن ادَّعَتْ أنَّه أكْرَهَها عليه، أو اشْتَبَهَ عليها، فعليه المهْرُ؛ لأنَّه أقرَّ


(١٢) في ب، م: "لا".
(١٣) في ب، م: "ولا".
(١٤) في ب، م: "يجب".
(١٥) تقدم تخريجه، في: ١٠/ ٣٥٢.
(١٦) في الأصل: "الفاعل".
(١٧) سقط من: ب، م.
(١٨) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>