كتاب المغني لابن قدامة - ت التركي

١٨٦١ - مسألة؛ قال: (ومن نذر أن يصوم شهرا متتابعا، ولم يسمه، فمرض فى بعضه، فإذا عوفى، بنى، وكفر كفارة يمين، وإن أحب أتى بشهر متتابع، ولا كفارة عليه، وكذلك المرأة إذا نذرت صيام شهر متتابع، وحاضت فيه) - فصل - ج: 13 - ص: 651

فإن كان العُذْرُ يُبِيحُ الفِطر كالسَّفَرِ، فهل يقْطعُ التَّتابُعَ؟ ففيه وَجْهانِ؛ أحدُهما، يقْطَعُه؛ لأنَّه يُفْطِرُ باخْتيارِه. والثانى، لا يقْطَعُه؛ لأنَّه عُذْرٌ فى فِطْرِ رمضانَ، فأشْبَهَ المرضَ. والثانى (١)، أن يُفْطِرَ لغيرِ عُذْرٍ، فهذا يَلْزَمُه اسْتِئْنافُ الصيامِ، ولا كفَّارةَ عليه؛ لأنَّه تَرَكَ التَّتابُعَ المنْذُورَ لغيرِ عُذْرٍ، مع إِمْكانِ الإِتْيانِ به، فلَزِمَه فِعْلُه، كما لو نَذَرَ صومًا مُعَيَّنًا فصامَ قبلَه. وبهذا الفَصْلِ قال الشافعىُّ، إلا فى الكفَّارةِ، فإنَّه لا يُوجِبُها فى المَنْذورِ (٢)، وقد ذكرنا دليلَ وجوبِها (٣).

فصل: إذا صامَ شهرًا من أوَّلِ الهلالِ، أَجْزَأَه، ناقِصًا كان أو تامًّا؛ لأنَّ ما بينَ الهِلاليْنِ شهرٌ، ولذلك قال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وعِشْرُونَ" (٤). وإِنْ بدأَ من أثْناءِ شَهرٍ، لَزِمَه شهرٌ بالعدَدِ، ثلاثون يومًا؛ لِقَوْلِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وأفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ، فَأكْمِلُوا ثَلَاثِينَ" (٥). فإنْ صامَ شوَّالَ، لَزِمَه إكْمالُه ثلاثينَ؛ لأنَّه بدأَ من أَثْنائِه، وإن كان ناقصًا، قضَى يَوميْنِ، وإن كان تامًّا أتمَّ يومًا واحدًا. وإِنْ صامَ ذا الحِجَّةِ، أفْطَرَ يومَ الأَضْحَى وأيَّامَ التَّشْرِيقِ، ولم ينْقَطِعْ تَتابُعه، كما لو أفْطرَتِ المرأةُ بحَيْضٍ، وعليه كفارةٌ، ويقْضِى أربعةَ أيام إن كان تامًّا، وخمسةً إن كان ناقصًا. ويَحْتَمِلُ أن لا يَلْزَمَه إِلَّا الأَرْبَعةُ، وإن كان ناقصًا؛ لأنَّه بدأَه مِن أوَّلِه، فَيقْضِى المتْروكَ منه لا

---

(١) أى: والحال الثانى.
(٢) فى ب: "النذر".
(٣) تقدم فى صفحة ٦٢٢ وما بعدها.
(٤) أخرجه البخارى، فى: باب الصلاة فى السطوح. . .، من كتاب الصلاة، وفى: باب الغرفة والعلية المشرفة. . .، من كتاب المظالم، وفى: باب موعظة الرجل ابنته. . .، من كتاب النكاح، وفى: باب من حلف أن لا يدخل على أهله. . .، من كتاب الأيمان والنذور. صحيح البخارى ١/ ١٠٦، ٣/ ١٧٦، ٧/ ٣٨، ٨/ ١٧٣. والترمذى، فى: باب ما جاء أن الشهر يكون تسعًا وعشرين. عارضة الأحوذى ٣/ ٢٠٥. والنسائى، فى: باب كم الشهر، من كتاب الصيام. المجتبى ٤/ ١١١ - ١١٣. وابن ماجه، فى: باب ما جاء فى الشهر تسع وعشرون، من كتاب الصيام، وفى: باب الإيلاء، من كتاب الطلاق. سنن ابن ماجه ١/ ٥٣٠، ٦٦٤. والدارمى، فى: باب الشهر تسع وعشرون، من كتاب الصوم. سنن الدارمى ٢/ ٤، والإمام مالك، فى: باب ما جاء فى رؤية الهلال للصوم. . .، من كتاب الصيام. الموطأ ١/ ٢٨٦. والإمام أحمد، فى: المسند ١/ ٢٨١، ٢٥٨، ٣٤٠، ٢/ ٣١، ٤٠، ٥٦، ٧٥، ٧٨، ٢٥١، ٢٩٨، ٣/ ٢٠٠، ٣٤١، ٦/ ٣٣، ٥١، ١٠٥، ١٦٣، ٢٤٣، ٣١٥. وانظر ما تقدم فى: ٤/ ٣٣١، ١٠/ ٥٠٣.
(٥) تقدم تخريجه، فى: ٤/ ٣٣٠.