للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإجَازَةُ الوَرَثةِ تَنْفِيذٌ وإجَازَةٌ مَحْضَةٌ، يَكْفِى فيها قولُ الوارِثِ: أجَزْتُ، أو أمْضَيْتُ، أو نَفَّذْتُ. فإذا قال ذلك، لَزِمَتِ الوَصِيَّةُ. وإن كانت باطِلَةً، كانت الإجَازَةُ هِبَةً مُبْتَدَأةً، تَفْتَقِرُ إلى شُرُوطِ الهِبَةِ، من اللَّفْظِ والقَبُولِ والقَبْضِ، كالهِبَةِ المُبْتَدأةِ. ولو رَجَعَ المُجِيزُ قبلَ القَبْضِ فيما (٥) يُعْتَبَرُ فيه القَبْضُ، صَحَّ رُجُوعُه.

فصل: وإن أسْقَطَ عن وارِثِه دَيْنًا، أو أَوْصَى بِقَضَاءِ دَيْنِه، أو أَسْقَطَتِ المَرْأةُ صَدَاقَها عن زَوْجِها، أو عَفَا عن جِنَايةٍ مُوجِبُها المالُ، فهو كالوَصِيَّةِ. وإن عَفَا عن القِصَاصِ، وقُلنا: الواجِبُ القِصَاصُ عَيْنًا. سَقَطَ إلى غيرِ بَدَلٍ. وإن قُلْنا: الواجِبُ أحَدُ شَيْئيْنِ. سَقَطَ القِصَاصُ، وَوَجَبَ المالُ. وإن عَفَا عن حَدِّ القَذْفِ، سَقَطَ مُطْلَقًا. وإن وَصَّى لِغَرِيمِ وارِثِه، صَحَّتِ الوَصِيَّةُ. وكذلك إن وَهَبَ له. وبهذا قال الشافِعِيُّ، وأبو حنِيفةَ. وقال أبو يوسفَ: هو وَصِيَّةٌ للوارِثِ؛ لأنَّ الوارِثَ يَنْتَفِعُ بهذه الوَصِيَّةِ، وتُسْتَوْفَى دُيُونُه منها. ولَنا، أنَّه وَصَّى لأَجْنَبِيٍّ، فصَحَّ، كما لو وَصَّى لمن عادَتُه الإِحْسانُ إلى وارِثِه. وإن وَصَّى لِوَلَدِ وارِثِه، صَحَّ، فإن كان يَقْصِدُ بذلك نَفْعَ الوارِثِ، لم يَجُزْ فيما بينه وبينَ اللهِ تعالى. قال طاوُسٌ، في قولِه عَزَّ وجَلَّ: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا} (٦) قال: أن يُوصِىَ لِوَلَدِ ابْنَتِه، وهو يُرِيدُ ابنَتَه. رَوَاه سَعِيدٌ (٧). قال ابن عَبَّاسٍ: الجَنَفُ في الوَصِيَّةِ والإِضْرَارُ فيها من الكَبائِرِ.

فصل: وإن وَصَّى لكلِّ وارِثٍ بمُعَيَّنٍ من مالِه بِقَدْرِ نَصِيبِه، كرَجُلٍ خَلَّفَ ابْنًا وبِنْتًا، وعَبْدًا قِيمَتُه مائةٌ، وجارِيَةً قِيمَتُها خَمْسُونَ، فوَصَّى لِابْنِه بِعَبْدِه، ولِابنَتِه بأَمَتِه، احْتَمَلَ أن تَصِحَّ الوَصِيَّةُ؛ لأنَّ حَقَّ الوارِثِ في القَدْرِ لا في العَيْنِ، بِدَلِيلِ ما لو عاوَضَ المَرِيضُ بعضَ وَرَثَتِه أو أجْنَبِيًّا بجَمِيعِ مالِه، صَحَّ إذا كان ذلك بِثَمَنِ المِثْلِ،


(٥) في الأصل، م: "فما".
(٦) سورة البقرة ١٨٢.
(٧) لم نجده فيما طبع من سنن سعيد بن منصور. وأخرجه البيهقي، في: باب من قال بنسخ الوصية للأقربين الذين لا يرثونه. . ., من كتاب الوصايا. السنن الكبرى ٦/ ٢٦٥، ٢٦٦. والدارقطنى، في: كتاب الوصايا. سنن الدارقطني ٤/ ١٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>