للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُؤْخَذُ ذلك. ولا يُتْرَكُ له شىءٌ منه؛ لأنَّه أعْيانُ أمْوَالِ الناسِ، فكانوا أحَقَّ بها منه، كما لو كانت في أيْدِيهِم، أو أخَذَها منهم غَصْبًا.

فصل: ولو كان المُفْلِسُ ذا صَنْعَةٍ، يَكْسِبُ ما يَمُونُه ويَمُونُ مَن تَلْزَمُه مُؤْنَتُه، أو كان يَقْدِرُ على أن يَكْسِبَ ذلك بأن يُؤْجِرَ نَفْسَه، أو يَتَوَكَّلَ لإنْسَانٍ، أو يَكْتَسِبَ من المُبَاحَاتِ ما يَكْفِيه، لم يُتْرَكْ له من مَالِه شىءٌ. وإن لم يَقْدِرْ على شىءٍ ممَّا ذَكَرْنَاهُ، تُرِكَ له من مَالِه قَدْرُ ما يَكْفِيهِ. قال الإمامُ أحمدُ، رحمه اللهُ تعالى، في رِوَايَةِ أبي دَاوُدَ: ويُتْرَكُ له قُوتٌ يَتَقَوَّتُ به، وإن كان له عِيَالٌ تُرِكَ له قِوَامٌ. وقال، في رِوَايَةِ المَيْمُونِيِّ: يُتْرَكُ له قَدْرُ ما يَقُومُ به مَعَاشُه، ويُبَاعُ الباقِى. وهذا في حَقِّ الشَّيْخِ الكَبِيرِ، وذَوِى الهَيْئَاتِ الذين لا يُمْكِنُهم التَّصَرُّفُ بأبْدَانِهم. ويَنْبَغِى أن يُجْعَلَ ذلك ممَّا لا يَتَعَلَّقُ به حَقُّ بعضِهم بِعَينِه؛ لأنَّ مَن تَعَلَّقَ حَقُّه بالعَيْنِ أقْوَى سَبَبًا من غيرِه.

فصل: وإذا تَلِفَ شىءٌ من مَالِ المُفْلِسِ تحتَ يَدِ الأمِينِ، أو بِيعَ شىءٌ من مَالِه وأُودِعَ ثَمَنُهُ فتَلِفَ عند المُودَعِ، فهو من ضَمَانِ المُفْلِسِ. وبهذا قال الشَّافِعيُّ. وقال مالِكٌ: العُرُوضُ من مَالِه، والدَّرَاهِمُ والدَّنَانِيرُ من مالِ الغُرَمَاءِ. وقال المُغِيرَةُ: الدَّنَانِيرُ من مَالِ أصْحابِ الدَّنَانِيرِ، والدَّرَاهِمُ من مَالِ أصْحابِ الدَّرَاهِمِ. ولَنا، أَنَّه من مالِ المُفْلِسِ، ونَمَاؤُه له، فكان تَلَفُه في مَالِه، كالعُرُوضِ.

فصل: وإذا اجْتَمَعَ مالُ المُفْلِسِ، قُسِمَ بين غُرَمَائِه، فإن كانت دُيُونُهم من جِنْسِ الأثْمانِ، أخَذُوهَا، وإن كان فيهم مَنْ دَيْنُه من غيرِ جِنْسِ الأثْمانِ، كالقَرْضِ بغير الأثْمَانِ، فرَضِيَ أن يَأْخُذَ عِوَضَ حَقِّه من الأثْمَانِ، جَازَ، وإن امْتَنَعَ، وطَلَبَ جِنْسَ حَقِّه، ابْتِيعَ له بِحِصَّتِه من جِنْسِ دَيْنِه. ولو أرَادَ الغَرِيمُ الأخْذَ من المالِ المَجْمُوعِ، وقال المُفْلِسُ: لا أُوَفِّيكَ إلَّا من جِنْسِ دَيْنِكَ. قُدِّمَ قولُه؛ لأنَّ هذا على سَبِيلِ المُعَاوَضَةِ، فلا يجوزُ إلَّا بِتَرَاضِيهما عليه. وإن كان فيهم مَنْ له دَيْنٌ من سَلَمٍ، لم يَجُزْ أن يَأخُذَ إلَّا من جِنْسِ حَقِّه، وإن تَرَاضَيا على دَفْعِ عِوَضِه، لأنَّ ما في الذِّمَّةِ من السَّلَمِ لا يجوزُ أخْذُ البَدَلِ عنه، لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أسْلَمَ في شَىْءٍ، فَلَا يَصْرِفْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>