للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فمَلَكَه آخِذُه] (٢١)، كالسَّاقِطِ من السُّنْبُلِ، وسائِر ما يَنْبِذُه الناسُ رَغْبَةً عنه.

فصل: وإن تَرَكَ مَتاعًا، فخَلَّصَهُ إنْسانٌ، لم يَمْلِكْه؛ لأنَّه لا حُرْمَةَ له في نَفْسِه، ولا يُخْشَى عليه التَّلَفُ، كالخَشْيَةِ على الحَيَوانِ، فإنَّ الحَيَوانَ يَمُوتُ إذا لم يُطْعَمْ ويُسْقَى، وتَأْكُلُه السِّبَاعُ، والمَتَاعُ يَبْقَى حتى يَرْجِعَ إليه صاحِبُه. وإن كان المَتْرُوكُ عَبْدًا، لم يُمْلَكْ بأخْذِه؛ لأنَّ العَبْدَ في العادَةِ يُمْكِنُه التَّخَلُّصُ إلى الأماكِنِ التي يَعِيشُ فيها، بخِلَافِ البَهِيمَةِ. وله أخْذُ العَبْدِ والمتَاعِ لِيُخَلِّصَه لِصَاحِبِه، وله أجْرُ مِثْلِه في تَخْلِيصِ المتَاعِ. نَصَّ عليه، وكذلكَ في العَبْدِ على قِيَاسِه. قال القاضي: يَجِبُ أن يُحْمَلَ قولُه في وُجُوبِ الأجْرِ، على أنَّه جَعَلَ له ذلك أو أمَرَه (٢٢) به، فأمَّا إن لم يَجْعَلْ له شيئا، فلا جُعْلَ له؛ لأنَّه عَمِلَ في مالِ غيرِه بغير جُعْلٍ، فلم يَسْتَحِقَّ شيئا، كالمُلْتَقِطِ. وهذا خِلَافُ ظاهِرِ كلامِ أحمدَ؛ فإنَّه لو جَعَلَ له جُعْلًا لَاسْتَحَقَّه، ولم يَجْعَلْ له أجْرَ المِثْلِ، ويُفَارِقُ هذا المُلْتَقِطَ، فإنَّ المُلْتَقِطَ لم يُخَلِّص اللُّقَطَةَ من الهَلَاكِ، ولو تَرَكَها أمكنَ أن يَرْجِعَ صاحِبُها فيَطْلُبَها في (٢٣) مَكَانِها فيَجِدَها، وههُنا إن لم يُخْرِجْه هذا ضَاعَ وهَلَكَ، ولم يَرْجِعْ إليه صاحِبُه، ففى جَعْلِ الأجْرِ فيه حِفْظٌ لِلْأمْوالِ من غيرِ مَضَرَّةٍ، فجازَ ذلك، كالجُعْلِ في الآبِقِ، ولأنّ اللُّقَطَةَ جَعَلَ فيها الشارِعُ ما يَحُثُّ على أخْذِها، وهو مِلْكُها إن لم يَجِئ صاحِبُها، فاكْتَفَى به عن الأجْرِ، فيَنْبَغِى أن يْشْرَعَ في هذا ما يَحُثُّ على تَخْلِيصِه بطَرِيقِ الأوْلَى، وليس إلَّا الأجْرُ. فأمَّا ما ألْقَاهُ رُكَّابُ البَحْرِ فيه، خَوْفًا من الغَرَقِ، فلم أعْلَمْ لأصْحَابِنا فيه قولًا، سوى عُمُومِ قَوْلِهم الذي ذَكَرْناه. ويَحْتَمِلُ أن يَمْلِكَ هذا مَنْ أَخَذَه. وهو قول اللَّيْثِ بن سَعْدٍ. وبه قال الحَسَنُ، في مَن أخْرَجَه، قال: وما نَضبَ عنه الماءُ فهو لأَهْلِه.


(٢١) سقط من: الأصل.
(٢٢) في الأصل: "وأمره".
(٢٣) في م: "من".

<<  <  ج: ص:  >  >>