للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمُثَنَّى، والثَّوْرِيُّ: لا تُخْرَجُ إلَّا أن يكونَ أوْصَى بها. وكذلك قال أصْحابُ الرَّأْي، وجَعَلُوها إذا أوْصَى بها وَصِيَّةً تُخْرَجُ من الثُّلُثِ، ويُزَاحَمُ بها أصْحابُ الوَصَايَا، وإذا لم يُوصِ بها سَقَطَتْ؛ لأنَّها عِبادَةٌ من شَرْطِهَا النِّيَّةُ، فسَقَطَتْ بِمَوْتِ مَن هي عليه، كالصَّوْمِ. ولَنا، أنَّها حَقٌّ وَاجِبٌ تَصِحُّ الوَصِيَّةُ به، فلم تَسْقُطْ بِالمَوْتِ، كدَيْنِ الآدَمِيِّ، ولأنَّها حَقٌّ مَالِيٌّ وَاجِبٌ فلم يَسْقُطْ بِمَوْتِ مَن هو عليه، كالدَّيْنِ، ويُفَارِقُ الصَّوْمَ والصلاةَ، فإنَّهما عِبادَتَانِ بَدَنِيَّتَانِ لا تَصِحُّ الوَصِيَّةُ بهما، ولا النِّيابةُ (٢٤) فيهما. اهـ.

فصل: وتجِبُ الزكاةُ على الفَوْرِ، فلا يجوزُ تَأْخِيرُ إخْرَاجِها مع القُدْرَةِ عليه، والتَّمَكُّنِ منه، إذا لم يَخْشَ ضَرَرًا. وبهذا قال الشَّافِعِيُّ، وقال أبو حنيفةَ: له التَّأْخِيرُ ما لم يُطَالَبْ؛ لأنَّ الأمْرَ بأدَائِها مُطْلَقٌ، فلا يَتَعَيَّن الزَّمَنُ الأوَّلُ لأدَائِها دُونَ غيرِه، كما لا يَتَعَيَّنُ لذلك مَكانٌ دُونَ مَكانٍ. ولَنا، أنَّ الأمْرَ المُطْلَقَ يَقْتَضِي الفَوْرَ، على ما سيُذْكَرُ (٢٥) في مَوْضِعِه، ولذلك يَسْتَحِقُّ المُؤَخِّرُ لِلامْتِثَالِ (٢٦) العِقَابَ، ولذلك أخْرَجَ اللهُ تعالى إبْلِيسَ، وسَخِطَ عليه ووَبَّخَهُ، بِامْتِنَاعِهِ عن السُّجُودِ، ولو أنَّ رَجُلًا أمَرَ عَبْدَهُ أن يَسْقِيَه، فأخَّرَ ذلك، اسْتَحَقَّ العُقُوبَةَ، ولأنَّ جَوَازَ التَّأْخِيرِ يُنَافِي الوُجُوبَ، لِكَوْنِ الواجِبِ ما يُعَاقَبُ صاحبُه (٢٧) على تَرْكِه، ولو جَازَ التَّأْخِيرُ، لَجازَ إلى غيرِ غَايةٍ، فتنْتَفِي (٢٨) العُقُوبَةُ بالتَّرْكِ، ولو سَلَّمْنَا أنَّ مُطْلَقَ الأمْرِ لا يَقْتَضِي الفَوْرَ، لاقْتَضَاهُ في مَسْألَتِنا، إذْ لو جازَ التَّأْخِيرُ هاهُنا


(٢٤) في أ، م: "الوصية".
(٢٥) في أ، ب، م: "يذكر".
(٢٦) في الأصل: "الامتثال".
(٢٧) سقط من: أ، ب، م.
(٢٨) في أ، ب، م: "فتنبغى".

<<  <  ج: ص:  >  >>