للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّ المُطْلَقَ فى النَّذْرِ يَجِبُ حَمْلُه على المَعْهُودِ شَرْعًا، والهَدْىُ الواجِبُ فى الشَّرْعِ إنَّما هو من النَّعَمِ، وأَقَلُّه ما ذَكَرْنَاهُ، فحُمِلَ عليه، ولهذا لمَّا قالَ اللهُ تعالى فى المُتْعَةِ: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (١٠). حُمِلَ على ما قُلْنَا. فإن اخْتارَ إخْراجَ بَدَنَةٍ كامِلَةٍ، فهو أفْضَلُ، وهل تكونُ كلُّها وَاجبَةً؟ على وَجْهَيْنِ؛ أحدُهما، تكونُ وَاجِبَةً. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ؛ لأنَّه اخْتارَ الأَعْلَى لأداءِ فَرْضِه، فكان كُلُّه وَاجِبًا، كما لو اخْتارَ الأعْلَى مِن خِصالِ كَفَّارَةِ اليَمِينِ أو كَفَّارَةِ الوَطْءِ فى الحَيْضِ. والثانى، يكونُ سُبْعُها وَاجِبًا، والباقِى تَطوُّعًا، له أكلُه وهَدِيَّتُه؛ لأنَّ الزَّائِدَ على السُّبْعِ يجوزُ تَرْكُه مِن غيرِ شَرْطٍ ولا بَدَلٍ، فأشْبَهَ ما لو ذَبَحَ شَاتَيْنِ. فإن عَيَّنَ الهَدْىَ بشىءٍ، لَزِمَه ما عَيَّنَه، وأجْزَأَه، سَوَاءٌ كان من بَهِيمَةِ الأنْعامِ أو مِن غيرِها، وسواءٌ كان حَيَوانًا أو غيرَه، مما يُنْقَلُ أو مِمَّا لا يُنْقَلُ؛ فإنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "مَنْ رَاحَ" يَعْنِى إلى الجُمُعَةِ "فِى السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فكَأنَّما قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فى السَّاعَةِ الخَامِسَةِ، فَكأنَّما قَرَّبَ بَيْضَةً" (١١). فذَكَرَ الدَّجَاجَةَ والبَيْضَةَ فى الهَدْىِ. وعليه إيصالُه إلى فُقراءِ الحَرَمِ؛ لأنَّه سَمَّاه هَدْيًا، وأطْلَقَ، فيُحْمَلُ على مَحلِّ الهَدْىِ المَشْرُوعِ، وقد قال اللهُ تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (١٢). فإن كان مما لا يُنْقَلُ، كالعَقارِ، بَاعَهُ، وبَعَثَ ثَمَنَهُ إلى الحَرَمِ، فيَتَصَدَّقُ به فيه.

فصل: وإن نَذَرَ هَدْيًا مُطْلَقًا أو مُعَيَّنًا، وأَطْلَقَ مَكَانَه، وَجَبَ عليه إيصالُه إلى مَساكِينِ الحَرَمِ. وجَوَّزَ أبو حنيفةَ ذَبْحَهُ حيثُ شاءَ، كما لو نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِشاةٍ. ولَنا، قَوْلُه تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}. ولأنَّ النَّذْرَ (١٣) يُحْمَلُ على


(١٠) سورة البقرة ١٩٦.
(١١) تقدم تخريجه فى: ٣/ ١٦٥.
(١٢) سورة الحج ٣٣.
(١٣) فى الأصل: "النذور".

<<  <  ج: ص:  >  >>