للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهما ولدٌ، كان ولاؤُه لمَوْلَى أبيه دُونَ مَوْلَى أمِّه، ولو كان الأبُ عبدًا والأمُّ (٢) مَوْلاةً، فأُعْتِقَ العبدُ، لجَرَّ ولاءَ ولدِه إلى مَوالِيه، ولأنَّ الولدَ يَشْرُفُ بشَرفِ أبيه، وينْتَسِبُ إلى قبيلتِه دُونَ قبيلةِ أُمِّهِ، فوجبَ أن يتْبعَ أباه في دِينِه أىَّ دِينٍ كان. وقال الثَّوْرِىُّ: إذا بلَغَ خُيِّرَ بين دِينِ أبيه ودينِ أُمِّه، فأيَّهما اختارَه كان على دِينِه. ولعلَّه يحتجُّ بحديثِ الغُلامِ الَّذِى أسْلَمَ أبُوه، وأبتْ أُمُّه أنْ تُسْلِمَ، فخيَّرُه النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بينَ أبيه وأُمِّه (٣). ولَنا، أنَّ الولدَ يتْبَعُ أبَوَيْه في الدِّينِ، فإن اخْتلفَا، وجبَ أن يتْبعَ المسلِمَ منهما، كوَلدِ المسلمِ من الكتابِيَّةِ، ولأنَّ الإِسلامَ يعلُو ولا يُعْلَى، ويترجَّحُ الإِسلامُ بأشياءَ؛ منها أنَّه دِينُ اللهِ الَّذى رَضِيَه لعبادِه، وبعثَ به رُسُلَه دُعاةً لخَلْقِه إليه، ومنها أنَّه تحصُلُ به السعادَةُ في الدُّنْيا لآخِرَةِ، ويَتَخَلَّصُ به في الدُّنْيا من القتلِ والاسْتِرقاقِ وأداءِ الجِزْيةِ، وفى الآخِرَةِ من سَخَطِ اللهِ وعذابِه، ومنها أنَّ الدارَ دارُ الإِسلامِ يُحْكَمُ بإسلامِ لقيطِها، ومن لا يُعْرَفُ حالُه فيها، وإذا كانَ محكومًا بإسلامِه، [أُجْبِرَ عليه] (٤) إذا امتنعَ منه بالقتلِ، كولدِ المُسْلِمَيْن، ولأَنَّه مُسْلِمٌ، فإذا رجعَ عن إسلامِه، وجبَ قتلُه؛ لقولِه عليه السلام: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ" (٥)، وبالقياسِ على غيرِه. ولَنا على مالكٍ، أنَّ الأمَّ أحدُ الأبَوَيْنِ، فيَتْبعُها ولدُها في الإِسلامِ، كالأبِ، بل الأمُّ أوْلَى به، لأنَّها أخَصُّ به، لأنَّه مخلوقٌ منها حقيقةً، وتخْتَصُّ بحَمْلِهِ ورَضاعِه، ويتْبَعها في الرِّقِّ والحُرِيَّةِ والتَّدْبيرِ والكتابةِ، ولأنَّ سائرَ الحيواناتِ يتْبَعُ الولدُ أُمَّه دونَ أبيهِ، وهذا يُعارضُ ما ذكرَه (٦). وأمَّا تخْيِيرُ الغُلامِ، فهو في الحَضانةِ لا في الدِّينِ.

١٥٤٨ - مسألة؛ قال: (وكَذلِكَ مَنْ مَاتَ مِنَ الْأَبَوَيْنِ عَلَى كُفْرِهِ، قُسِمَ لَهُ الْمِيرَاثُ؛ وَكَانَ مُسْلِمًا بِمَوْتِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا)


(٢) في م: "أو الأم".
(٣) تقدم تخريجه، في: ١١/ ٤١٣.
(٤) سقط من: ب. ومكانه بياض.
(٥) تقدم تخريجه، في: ٩/ ٥٥٠.
(٦) في الأصل: "ذكروه".

<<  <  ج: ص:  >  >>