للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإنْ تَيَمَّمَ الجَرِيحُ لِجُرْحٍ في بعضِ أعْضَائِه، ثم خَرَجَ الوَقْتُ، بَطَلَ تَيَمُّمُهُ، ولم تَبْطُلْ طَهَارَتُهُ بالماءِ إنْ كانَتْ غُسْلًا لِجَنَابَةٍ أو نَحْوِها؛ لأنَّ التَّرْتِيبَ والمُوَالاةَ غيرُ واجِبَيْن فيها. وإنْ كانتْ وُضُوءًا، وكان الجُرْحُ في وَجْهِهِ، خُرِّجَ بُطْلَانُ الوُضُوءِ على الوَجْهَيْن اللذَيْن في الفَصْلِ الذي قبلَ هذا؛ فمنْ أوْجَبَ التَّرْتِيبَ أبْطَلَ الوُضُوءَ ههُنا؛ لأنَّ طهارةَ العُضْوِ الذي نَابَ التَّيَمُّمُ عنه بَطَلَتْ، فلو لم يَبْطُلْ فيما بعدَهُ لَتَقَدَّمَتْ طَهَارَةُ مَا بعدَه عليه، فيَفُوتُ التَّرْتِيبُ. و [مَن] (٢٥) لم يُوجِبِ التَّرْتِيبَ لم يُبْطِلِ الوُضُوءَ، وَجَّوزَ له أنْ يَتَيَمَّمَ لا غيرُ. وإنْ كان الجُرْحُ في إحْدَى رِجْلَيْهِ، أو فيهما، فعلى قَوْلِ مَنْ لا يُوجِبُ التَّرْتِيبَ بينَ الوُضُوءِ والتَّيَمُّمِ، لا تَجِبُ المُوَالَاةُ بينَهُما أيضًا، وعليه التَّيَمُّمُ وحدَه. ومَنْ أوْجَبَ التَّرْتِيبَ، فقِيَاسُ قولِه: أنْ يكونَ في المُوَالَاةِ وَجْهَان، بِناءً على المُوَالَاةِ في الوُضوُءِ، وفيها رِوَايتان؛ إحداهُما، تَجِبُ، فتجبُ ههُنا، ويَبْطُلُ الوُضُوءُ لِفَوَاتِها. والثَّانِيَةُ، لا تَجِبُ، فيكْفِيهِ التَّيَمُّمُ وحدَه. ويَحْتَمِلُ أنْ لا تجبَ المُوَالَاةُ بينَ الوُضُوءِ والتَّيَمُّمِ، وَجْهًا واحِدًا؛ لأنَّهما طَهارتان، فلم تَجِبِ المُوَالَاةُ بينهما، كسائِرِ الطَّهَارَاتِ، ولأنَّ في إِيجابِها حَرَجًا، فيَنْتَفِى بقَوْلِه سُبْحَانَهُ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (٢٦).

فصل: وإنْ خاف مِن شِدَّةِ البَرْدِ، وأمْكَنَهُ أنْ يُسَخِّنَ الماءَ، أو يَسْتَعْمِلَه على وَجْهٍ يَأْمَنُ الضَّرَرَ، مِثْل أنْ يَغْسِلَ عُضْوًا عُضْوًا، وكُلَّمَا غَسَلَ شيئًا سَتَرَهُ، لَزِمَهُ ذلك. وإنْ لم يَقْدِرْ، تَيَمَّمَ وصلى في قَوْلِ أَكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ. وقال عَطَاء، والحسنُ: يَغْتَسِلُ، وإنْ ماتَ، لم يَجْعَلِ اللهُ له عُذْرًا. ومُقْتَضَى قَوْلِ ابنِ مَسْعُودٍ: أنَّه لا يَتَيَمَّمُ؛ فإنَّه قال: لَوْ رَخَّصْنَا لهم في هذا لأَوْشَكَ أحدُهُم إذا بَرَدَ عليه الماءُ أنْ يَتَيَمَّمَ ويَدَعَهُ.


= الشافعية، و"الكامل" في الخلاف بين الشافعية والحنفية، توفى سنة سبع وسبعين وأربعمائة. طبقات الشافعية الكبرى ٥/ ١٢٢ - ١٣٤.
(٢٥) تكملة يصح بها السياق.
(٢٦) سورة الحج، الآية الأخيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>