للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإذا أوصَى إلى رجلٍ، وأذِنَ له أن يُوصِىَ إلى مَن يشاءُ، نحوُ أن يقول (٦): أذِنْتُ لك أن تُوصِىَ إلى مَن شئتَ، أو كلُّ مَن أوْصَيْتَ إليه فقد أوْصَيتُ إليه، أو فهو وَصِىٌّ. صحَّ، وله أن يُوصِىَ إلى مَن شاءَ؛ لأنَّه رَضِىَ باجْتهادِه واجْتهادِ مَن يَراه، فصحَّ، كما لو وَصَّى إليهما معًا. وهذا قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ. وحُكِىَ عن الشافعىِّ أنَّه قالَ في أحدِ القَوْلَين: ليس له أن يُوصِىَ؛ لأنَّه يَلِى بتَوَلِّيه، فلا يصِحُّ أن يُوصِىَ، كالوكيلِ. ولَنا، أنَّه مأذونٌ له في الإِذنِ في التَّصرُّفِ، فجازَ له أن يأْذنَ لغيرِه، كالوكيلِ إذا أُمِرَ بالتَّوْكيلِ، والوكيلُ حجَّةٌ عليه من الوَجْه الذي ذكرْناه. فأمَّا إن أوصَى إليه، وأطْلَقَ، ولم يأذنْ له في الإِيصَاءِ ولا نَهَاهُ (٧) عنه، ففيه روايتان؛ إحْداهما، له أن يُوصِىَ إلى غيرِه. وهو قولُ مالكٍ، وأبى حنيفةَ، والثَّورىِّ، وأبى يوسفَ؛ لأنَّ الأبَ أقامَه مُقامَ نفسِه، فكانَ له الوَصِيَّةُ، كالأبِ. والثانية، ليس له ذلك. وهو اختيارُ أبى بكرٍ. ومذهبُ الشافعىِّ، وإسحاقَ. وهو الظَّاهرُ مِن مذهبِ الْخِرَقِىِّ؛ لقولِه ذلك في الوكيلِ (٨)؛ لأنَّه يتصرَّفُ (٩) بتَوْلِيَةٍ، فلم يكُنْ له التَّفْوِيضُ، كالوَكيلِ، ويُخالفُ الأبَ، لأنَّه يَلِى بغيرِ تَوْلِيَةٍ.

٩٨٧ - مسألة؛ قال: (وَإِنْ كَانَا وَصِيَّيْنِ، فَمَاتَ أَحَدُهُما، أُقِيمَ مُقَامَ الْمَيِّتِ أَمِينٌ)

وجملةُ ذلك، أنَّه يجوزُ للرَّجلِ الوَصِيَّةُ إلى اثْنَينِ، فمتى أوْصَى إليهما مُطلقًا، لم يَجُزْ لِواحدٍ منهما الانْفِرادُ بالتَّصرُّفِ، فإن ماتَ أحدُهما، أو جُنَّ، أو وُجِدَ منه ما يُوجِبُ عَزْلَه، أقامَ الحاكمُ مُقامَه أمينًا؛ لأنَّ المُوصِىَ لم يَرْضَ بنَظَرِ هذا الباقى منهما وحدَه.


(٦) في ازيادة: "قد".
(٧) في أ، م: "ينهاه".
(٨) في أ: "التوكيل".
(٩) في الأصل: "تصرف".

<<  <  ج: ص:  >  >>