للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما شَأْنُ حَنْظَلَةَ؟ فَإنِّى رَأَيْتُ المَلَائِكَةَ تُغَسِّلُه". فقالوا: إنَّه جَامَعَ، ثم سَمِعَ الهَيْعَةَ (١٤) فَخَرَجَ إلى القِتَالِ. رَوَاه ابنُ إسحاقَ، في "المَغَازِى" (١٥). ولأنَّه غُسْلٌ وَاجِبٌ لغيرِ المَوْتِ، [فلم يسْقُطْ] (١٦) بالمَوْتِ كغُسْلِ الْجنَابةِ (١٧). وحَدِيثُهم لا عُمَومَ له، فإنَّه قَضِيَّةٌ في عَيْنٍ وَرَدَ في شُهَدَاءِ أُحُدٍ، وحَدِيثُنا خَاصٌّ في حَنْظَلَةَ، وهو من شُهَدَاءِ أُحُدٍ، فيَجِبُ تَقْدِيمُه. إذا ثَبَتَ هذا، فمَن وَجَبَ الغُسْلُ عليه بِسَبَبٍ سابِقٍ على المَوْتِ، كالمَرْأَةِ تَطْهُرُ من حَيْضٍ أو نِفاسٍ، ثم تُقْتَلُ، فهى كالجُنُبِ؛ لِلْعِلَّةِ التي ذَكَرْنَاها. ولو قُتِلَتْ في حَيْضِها أو نِفاسِها، لم يَجِبِ الغُسْلُ؛ لأنَّ الطُّهْرَ من الحَيْضِ شَرْطٌ في الغُسْلِ، أو في السَّبَبِ المُوجِب، فلا يَثْبُتُ الحُكْمُ بِدُونِه. فأمَّا إنْ أسْلَمَ، ثم اسْتُشْهِدَ، فلا غُسْلَ عليه؛ لأنَّه رُوِىَ أنَّ أُصَيْرِمَ بَنِى (١٨) عبدِ الأَشْهَلِ أسْلَمَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثم قُتِلَ، فلم يُؤْمَرْ بِغَسْلِه.

فصل: والبَالِغُ وغيرُه سواءٌ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ، وأبو يوسفَ، ومحمدٌ، وأبو ثَوْرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَثْبُتُ حُكْمُ الشَّهادَةِ لِغَيْرِ البالِغِ؛ لأنَّه ليس من أَهْلِ القِتالِ. ولَنا، أنَّه مُسْلِمٌ قُتِلَ في مُعْتَرَكِ المُشْرِكِينَ بِقِتالِهم، أشْبَه البالِغَ، [ولأنَّه أشْبَهَ البالِغَ] (١٩) في الصلاةِ عليه والغُسْلِ إذا لم يَقْتُلْهُ المُشْرِكُونَ، فيُشْبِهُه في سُقُوطِ ذلك عنه بالشَّهادَةِ، وقد كأن في شُهَداءِ أُحُدٍ حَارِثَةُ بن


(١٤) الهيعة: الصوت تفزع منه وتخافه، من عدو أو غيره.
(١٥) وأخرجه البيهقي، في: باب الجنب يستشهد في المعركة، من كتاب الجنائز. السنن الكبرى ٤/ ١٥. والحاكم، في: باب ذكر مناقب حنظلة بن عبد اللَّه، من كتاب معرفة الصحابة. المستدرك ٣/ ٢٠٤.
(١٦) في م: "فسقط".
(١٧) في أ، م: "النجاسة".
(١٨) في النسخ: "بن". والتصويب من سيرة ابن هشام ٣/ ٩٠. واسمه عمرو بن ثابت بن وقش.
(١٩) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>