للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزكاةُ، لم تَسْقُطْ، وتُؤْخَذُ الزكاةُ منه في آخِرِ الحَوْلِ، إذا كان إبْدَالُه وإتْلَافُه عندَ قُرْبِ الوُجُوبِ. ولو فَعَلَ ذلك في أوَّل الحَوْلِ، لم تَجِب الزكاةُ؛ لأنَّ ذلك ليس بِمَظِنَّةٍ لِلْفِرَارِ. وبما ذَكَرْنَاهُ قال مَالِكٌ، والأوْزَاعِيُّ، وابنُ المَاجِشُون، وإسحاقُ، وأبو عُبَيْدٍ. وقال أبو حنيفةَ، والشَّافِعِيُّ: تَسْقُطُ عنه الزكاةُ؛ لأنَّه نَقَصَ قبلَ تَمَامِ حَوْلِه، فلم تَجِبْ فيه الزكاةُ، كما لو أتْلَفَهُ (٢) لِحَاجَتِه. ولَنا، قولُ اللهِ تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (١٧) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} (٣). فعاقَبَهم اللهُ تعالى بذلك، لِفِرَارِهم من الصَّدَقَةِ، ولأنَّه قَصَدَ إسْقاطَ نَصِيبِ مَن انْعَقَدَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِه، فلم يَسْقُطْ، كما لو طَلَّقَ امْرَأتَه في مَرَضِ مَوْتِه، ولأنَّه لمَّا قَصَدَ قَصْدًا فاسِدًا، اقْتَضَتِ الحِكْمَةُ مُعَاقَبَتَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِه، كمَنْ قَتَلَ مَوْرُوثَه (٤) لِاسْتِعْجَالِ مِيرَاثِهِ، عَاقَبَهُ الشَّرْعُ بالحِرْمانِ، وإذا أتْلَفَهُ لِحَاجَتِه، لم يَقْصِدْ قَصْدًا فَاسِدًا.

فصل: وإذا حالَ الحَوْلُ أخْرَجَ الزكاةَ من جِنْسِ المالِ المَبِيعِ، دُونَ المَوْجُودِ؛ لأنَّه الذي وَجَبَتِ الزكاةُ بِسَبَبِه، لَوْلَاهُ (٥) لم تَجِبْ في هذا زكاةٌ.

فصل: فإن لم يَقْصِدْ بالبَيْعِ ولا بالتَّنْقِيصِ الفِرَارَ، انْقَطَعَ الحَوْلُ، واسْتَأْنَفَ بما اسْتَبْدَلَ به حَوْلًا، إن كان مَحَلًّا لِلزكاةِ، فإن وَجَدَ بالثانِي عَيْبًا، فَرَدَّهُ أو بَاعَهُ بِشَرْطِ الخِيَارِ، ثم اسْتَرَدَّهُ، اسْتَأْنَفَ أيضًا حَوْلًا؛ لِزَوَالِ مِلْكِه بِالبَيْعِ، قَلَّ الزَّمَانُ أو كَثُرَ، وقد ذَكَرَ (٦) الخِرَقِيُّ هذا في مَوْضِعٍ آخَرَ، فقال: والمَاشِيَةُ إذا بِيعَتْ


(٢) في أ، م: "أتلف".
(٣) سورة القلم ١٧ - ٢٠.
(٤) في أ، م: "مورثه".
(٥) في م: "ولولاه".
(٦) في النسخ: "ذكره".

<<  <  ج: ص:  >  >>