للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِياسُه على الدِّيَةِ لوُجُوهٍ؛ أحدها، أنَّ الدِّيَةَ لم تَجِبْ في بيتِ المالِ؛ لأنَّها إنَّما وجَبَتْ على العاقلةِ، ولا يجوزُ أن يَثْبُتَ حُكْمُ الفَرْعِ مُخالِفًا لحُكْمِ الأصْلِ. الثاني، أنَّ الدِّيَةَ كَثِيرةٌ، فإيجابُها على القاتلِ يُجْحِفُ به، والكَفَّارةُ بخِلافِها. الثالث، أنَّ الدِّيَةَ وَجَبَتْ مُواساةً للقاتلِ، وجُعِلَ حَظُّ القاتلِ من الواجبِ الكَفَّارةَ، فإيجابُها على غيرِه يَقْطَعُ المُواساةَ، ويُوجِبُ على غيرِ الجانِى أكْثرَ ممَّا وجَبَ عليه، وهذا لا يجوزُ.

فصل: ذكَر أصحابُنا أنَّ الدِّيَةَ تُغَلَّظُ بثلاثةِ أشياء؛ إذا قَتَلَ في الحَرَمِ، والشُّهُورِ الحُرُمِ، وإذا قَتَلَ مُحْرِمًا. وقد نَصَّ أحمدُ، رحِمَه اللهُ، على التَّغْليظِ على مَن قَتَلَ مُحْرِمًا في الحَرَمِ وفى الشَّهْرِ الحرامِ، فأمَّا إن قَتَلَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، فقال أبو بكرٍ: تُغَلَّظُ دِيَتُه. وقال القاضي: ظاهرُ كلامِ أحمدَ أَنَّها لا تُغلَّظُ. وقال أصحابُ الشافعىِّ: تُغَلَّظُ بالحَرَمِ، والأشْهُرِ الحُرُمِ، وذِى الرَّحِمِ المَحْرَمِ، وفى التغليظِ بالإِحْرامِ وَجْهانِ. وممَّن رُوِىَ عنه التَّغْليظُ؛ عُثمانُ، وابنُ عباسٍ، والسَّعِيدان (١٩)، وعَطاءٌ، وطاوسٌ، والشَّعْبىُّ (٢٠)، ومُجاهِدٌ، وسليمانُ بن يَسَارٍ، وجابرُ بن زَيْدٍ، وقَتادةُ، والأوْزَاعِىُّ، ومالكٌ، والشافعيُّ، وإسْحاقُ. واخْتَلَفَ القائلُونَ بالتَّغْليظِ في صِفَتِه؛ فقال أصحابُنا: تُغَلَّظُ، لكلِّ واحدٍ من الحُرُماتِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، فإذا اجْتَمَعتِ الحُرُماتُ الثَّلاثُ، وجَبَتْ دِيَتانِ. قال أحمدُ، في رِوايةِ ابن منصورٍ، في مَن قَتَلَ مُحْرِمًا في الحَرَمِ، وفى الشَّهر الحرامِ: فعليه أَرْبَعةٌ وعِشْرُونَ ألفًا. وهذا قولُ التَّابِعينَ القائِلينَ بالتَّغْليظِ. وقال أصحابُ الشافعىِّ: صِفَةُ التَّغْلِيظِ، إيجابُ دِيَةِ العَمْدِ في الخَطَإِ لا غيرُ، ولا يُتَصَوَّرُ التَّغْليظُ في غيرِ الخَطَإِ، ولا يُجْمَعُ بين تَغْلِيظَيْنِ. وهذا قولُ مالكٍ، إلَّا أنَّه يُغَلِّظُ في العَمْدِ، فإذا قَتَلَ ذا رَحِمٍ مَحْرَمٍ عَمْدًا، فعليه [ثلاثون حِقَّةً، و] (٢١) ثلاثونَ جَذَعةً، وأَرْبَعُونَ


(١٩) في ب: "والسعيد".
والسعيدان: سعيد بن جبير، وسعيد بن أبي عروبة.
(٢٠) سقط من: الأصل، ب.
(٢١) سقط من: ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>