وقال مالك، وأبو حنيفة، ومحمد بن الحسن، في الضِّفْدَعِ: إذا ماتتْ في الماء لا تُفْسِدُه؛ لأنها تعيشُ في الماءِ. أشْبَهَتِ السَّمَكَ.
ولنا أنها تُنَجِّسُ غيرَ الماءِ، فتُنَجِّسُ الماءَ، كحيوانِ البَرِّ، ولأنه حيوانٌ له نَفْسٌ سائلةٌ، لا تُباحُ مَيْتَتُهُ. فأَشْبَهَ طيرَ الماء، ويُفارِق السَّمَكَ؛ فإنه مُباحٌ، ولا يُنَجِّسُ غيرَ الماء.
النوع الثالث، الآدَمِيُّ، الصحيحُ في المذهبِ أنه طاهرٌ حيًّا ومَيِّتًا؛ لِقَولِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ" مُتَّفَقٌ عليه.
وعن أحمد: أنه سُئل عن بئرٍ وقَع فيها إنسانٌ، فمات؟ قال: يُنْزَحُ حتى يَغْلِبَهم. وهو مذهبُ أبي حنيفة، قال: يَنْجُس ويطْهرُ بالغَسْلِ؛ لأنه حيوانٌ له نَفْسٌ سائلةٌ، فنَجُسَ بالموتِ، كسائر الحيوانات.
وللشافعيِّ قَوْلان، كالرِّوايتَيْن.
والصحيحُ ما ذكرْنا أوَّلًا؛ للخَبَرِ، ولأنه آدَمِيٌّ، فلم ينْجُسْ بالموتِ، كالشَّهِيد؛ ولأنه لو نَجُس بالموت لم يطْهُرْ بالغَسْل، كسائر الحيوانات التي تنْجُس بالموتِ (١٨)، ولم يُفَرِّقْ أصحابُنا بين المسلم والكافر؛ لاسْتوائهما في الآدَمِيَّة، وفي حالِ الحياة، ويحْتَمِلُ أن ينْجُسَ الكافرُ بمَوْتِه؛ لأن الخبرَ إنَّما ورد في المسلم، ولا يصِحُّ قياسُ الكافرِ عليه، لأنه لا يُصَلَّى عليه، وليس له حُرْمَةٌ كحرمَةِ المسلمِ.
فصل: وحُكْمُ أجْزاءِ الآدَمِيِّ وأبْعاضِه حكمُ جُمْلتِه، سواءٌ انْفَصلتْ في حياتِه أو بعد مَوْتِه؛ لأنها أجزاء مِن جُملةٍ. فكان حكمُها كسائرِ الحيوانات الطاهِرة والنَّجِسة، ولأنها يُصَلَّى عليها، فكانت طاهرةً كجُمْلته.
وذكر القاضي أنها نَجِسَةٌ، روايةً واحدة؛ لأنها لا حُرْمةَ لها، بدليلِ أنه لا يُصَلَّى عليها.
ولا يَصِحُّ هذا؛ فإنَّ لها حُرْمةً، بدليل أنَّ كَسْر عَظْم الميِّتِ ككسْر عظمِ الحيِّ، ويُصَلَّى عليها إذا وُجِدَتْ من الميِّتِ، ثم تبْطُلُ بشَهِيدِ المعركة، فإنه لا يُصَلَّى عليه، وهو طاهِرٌ.