للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّصَرُّفِ، وإن كان (٤) وَكِيلًا لِوَكِيلِ مَن يَتَصَرَّفُ في مالِ نَفسِه، انْعَزَلَ بِفِسْقِه؛ لأنَّ الوَكِيلَ ليس له تَوْكِيلُ فاسِقٍ، ولا يَنْعَزِلُ بِفِسْقِ مُوَكِّلِه؛ لأنَّ مُوَكِّلَهُ وَكِيلٌ لِرَبِّ المالِ، ولا يُنَافِيه الفِسْقُ، ولا تَبْطُلُ الوَكَالةُ بالنَّوْمِ والسُّكْرِ والإِغْمَاءِ؛ لأنَّ ذلك لا يُخْرِجُه عن أهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ، ولا يَثْبُتُ عليه وِلَايَةٌ، إلَّا أن يَحْصُلَ الفِسْقُ بالسُّكْرِ، فيكونَ فيه من التَّفْصِيلِ ما أسْلَفْنَاهُ.

فصل: ولا تَبْطُلُ الوَكَالَةُ بالتَّعَدِّى فيما وُكِّلَ فيه، مثل أن يَلْبَسَ الثَّوْبَ، ويَرْكَبَ الدَّابّةَ. وهذا أحَدُ الوَجْهَيْنِ لأَصْحابِ الشّافِعِىّ. والوَجْهُ الثّانى، تَبْطُلُ الوَكَالَةُ؛ لأنَّها عَقْدُ أمَانةٍ، فبَطَلَتْ (٥) بالتَّعَدِّى كالوَدِيعَةِ. ولَنا، أنَّه إذا تَصَرَّفَ فقد تَصَرَّفَ بإِذْنِ مُوَكِّلِه، فصَحَّ، كما لو لم يَتَعَدَّ. ويُفَارِقُ الوَدِيعَةَ من جِهَةِ أنَّها أمانَةٌ مُجَرَّدَةٌ، فنَافَاهَا التَّعَدِّى والخِيَانةُ، والوَكَالَةُ إِذْنٌ في التَّصَرُّفِ تَضَمَّنَتِ الأَمَانَةَ، فإذا انْتَفَتِ الأمَانَةُ بالتَّعَدِّى، بَقِىَ الإِذْنُ بحالِه. فعلى هذا لو وَكَّلَهُ في بَيْعِ ثَوْبٍ فلَبِسَه، صَارَ ضَامِنًا. فإذا باعَهُ، صَحَّ بَيْعُه، وبَرِئَ من ضَمَانِه؛ لِدُخُولِه في مِلْكِ المُشْتَرِى وضَمَانِه. فإذا قَبَضَ الثمَنَ، كان أمانةً في يَدِه غيرَ مَضْمُونٍ عليه؛ لأنَّه قَبَضَهُ بإِذْنِ المُوَكِّلِ، ولم يَتَعَدَّ فيه. ولو دَفَعَ إليه مَالًا، وَوَكَّلَه في شِرَاءِ شيءٍ، فتَعَدَّى في الثَّمَنِ، صَارَ ضامِنًا له، فإذا اشْتَرَى به وسَلَّمَهُ، زَالَ الضَّمَانُ، وقَبْضُه لِلْمَبِيعِ قَبْضُ أمَانةٍ. وإن وُجِدَ بالمَبِيعِ عَيْبٌ، فَرُدَّ عليه، أو وَجَدَ هو بما اشْتَرَى عَيْبًا، فرَدَّهُ وقَبَضَ الثَّمَنَ، كان مَضْمُونًا عليه؛ لأنَّ العَقْدَ المُزِيلَ لِلضَّمانِ زَالَ، فعَادَ ما زَالَ به (٦).

فصل: وإن وَكَّلَ امْرَأَتَهُ في بَيْعٍ أو شِرَاءٍ أو غيرِه، ثم طَلَّقَها، لم تَنْفَسِخِ الوَكَالَةُ؛ لأنَّ زَوَالَ النِّكَاحِ لا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الوَكَالَةِ، فلا يَقْطَعُ اسْتِدَامَتَها. وإن وَكَّلَ عَبْدَه، ثم أَعْتَقَه، أو بَاعَهُ، لم يَنْعَزِلْ؛ لذلك. ويَحْتَمِلُ أن يَنْعَزِلَ؛ لأنَّ تَوْكِيلَ عَبْدِه ليس بِتَوْكِيلٍ


(٤) في الأصل: "وكل".
(٥) في ب، م: "فتبطل".
(٦) في م: "عنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>