للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفقهاءِ. وكذلك الكَثَرُ المأْخُوذُ من النَّخْلِ، وهو جُمَّارُ النَّخْلِ. رُوِىَ معنى هدا القولِ عن ابن عمرَ (١). وبه قال عَطَاءٌ، ومالِكٌ، والثَّوْرِىُّ، والشَّافِعِىُّ، وأصحابُ الرَّأْىِ. وقال أبو ثَوْر: إن كان من ثمرٍ أو بُسْتانٍ مُحْرَزٍ، ففيه القَطْعُ. وبه قال ابنُ المُنْذِرِ إن لم يَصِحَّ خَبَرُ رافِع. قال: ولا أَحْسَبُه ثَابِتًا. واحْتجَّا بظاهِرِ الآيةِ، وبقياسهِ على سائرِ المُحْرَزَاتِ. ولَنا، ما رَوَى رَافعُ بنُ خَدِيجٍ، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال: "لا قَطْعَ في ثَمَرٍ ولا كَثَرٍ" (٢). أخرجه أبو داود، وابنُ ماجَه. وعن عمرو بنِ شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، عن عبدِ اللَّه بنِ عمرو، عن رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه سُئِلَ عن الثَّمرِ المُعَلَّقِ، فقال: "مَنْ أصَابَ بِفِيهِ مِنْ ذِى حَاجَةٍ، غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً (٣)، فَلَا شَىْءَ عَلَيْهِ، ومَنْ خَرَجَ بِشَىْءٍ مِنْهُ، فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ والْعُقُوبَةُ، وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أن يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ، فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ، فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ" (٤). وهذا يَخُصُّ عُمومَ الآية، ولأنَّ البُسْتانَ ليس بحِرْزٍ لغيرِ الثَّمرَ، [فلم يكُنْ] (٥) حِرْزًا له، كما لو لم يكُنْ مَحُوطًا، فأمَّا إن كانتْ نَخْلةٌ أو شجرةٌ في دارٍ مُحْرَزَةٍ (٦)، فسَرَقَ منها نِصابًا، ففيه القَطْعُ؛ لأنَّه سَرَقَ من حِرْزٍ. واللَّه أعلمُ.

فصل: وإن سَرَقَ من الثَّمرِ المُعلَّق، فعليه غَرَامةُ مِثْلَيْهِ. وبه قال إسحاقُ؛ للخبرِ المذكور. قال أحمدُ: لا أعلَمُ شيئًا (٧) يَدْفَعُه. وقال أكثرُ الفقهاءِ: لا يَجِبُ فيه أكثرُ من مِثْلِه. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: لا أعلمُ أحدًا من الفُقَهاءِ قال بوُجوبِ غَرَامةِ مِثْلَيْه. واعْتذرَ بعضُ أصحابِ الشَّافِعِىِّ عن هذا الخبَرِ، بأنَّه كان حين كانتِ العقوبةُ في الأمْوالِ، ثم نُسِخَ ذلك. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو حُجَّةٌ لا تجوزُ مُخالَفَتُه، إلَّا بمُعارضَةِ مِثْلِه أو


(١) أخرجه ابن أبي شيبة، باب في الرجل يسرق التمر والطعام، من كتاب الحدود. المصنف ١٠/ ٢٦.
(٢) تقدم تخريجه في صفحة ٤٢٤.
(٣) الخبنة: معطف الإِزار وطرف الثوب. أي لا يأخذ منه في ثوبه.
(٤) تقدم تخريجه، في صفحة ٤٢٥.
(٥) في م: "فلا يكون".
(٦) في م: "محرز".
(٧) في ب، م: "سببا".

<<  <  ج: ص:  >  >>