للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجبُ قطعُهما بالسَّرِقَةِ، إلَّا ما حُكِىَ عن ابنِ عباسٍ، أنَّه قال: لا قَطْعَ عليهما (٤)؛ لأنَّه حَدٌّ لا يُمْكِنُ تَنْصِيفُه، فلم يجبْ في حَقِّهما، كالرَّجْمِ، ولأنَّه حَدٌّ فلا يُساوِى العبدُ فيه الحُرَّ، كسائرِ الحُدودِ. ولَنا، عُمومُ الآية، ورَوَى الأثرمُ، أنَّ رَقِيقًا لحاطِبِ بن أبي بَلْتَعةَ سَرَقُوا ناقةً لِرَجلٍ من مُزَيْنَةَ، فانْتَحرُوها، فأمرَ كَثِير بن الصَّلْتِ أنْ تُقْطَعَ أيدِيهم، ثم قال عمرُ: وَاللهِ إنِّي لأراكَ (٥) تُجِيعُهم، ولكنْ لأُغْرِمَنَّك غُرْمًا يَشُقُّ عليك. ثم قال للمُزَنِىِّ: كم ثمنُ ناقَتِكَ؟ قال: أربعُمائَةِ دِرْهَمٍ. قال عمرُ: أعْطِه ثمانِمائِة دِرهمٍ (٦). ورَوَى القاسِمُ (٧) عن أبيه، أن عبدًا أقرَّ بالسَّرِقَةِ عندَ عليٍّ، فقَطَعَه (٨). وفي رواية قال: كان عبدًا. يعني الذي قطعَه علىٌّ. روَاه الإِمامُ أحمدُ، بإسْنادِه. وهذه قِصَصٌ تَنْتَشِرُ ولم تُنْكَرْ، فتكونُ إجماعًا. وقولُهم: لا يُمْكِنُ تَنْصِيفُه. قُلْنَا: ولا يُمْكِنُ تَعْطيلُه، فيجبُ تَكْميلُه، وقياسُهم نَقْلِبُه عليهم، فنقولُ: حَدٌّ فلا يتعطَّلُ في حَقِّ العبدِ والأمَةِ، كسائرِ الحُدودِ. وفارقَ الرَّجْمَ، فإنَّ حَدَّ الزَّانِى لا يتعطَّلُ بتَعْطيلِه، بخلاف القَطْعِ، فإنَّ حَدَّ السَّرِقَةِ يَتَعطَّلُ بتَعْطيلِه.

فصل: ويُقْطَعُ الآبِقُ بِسَرِقَتِه، وغيرُه. رُوِىَ ذك عن ابنِ عمرَ، وعمرَ بن عبدِ العزيز، وبه قال مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ. وقال مروانُ، وسعيدُ بنُ العاصِ، وأبو حنيفةَ: لا يُقْطَعُ؛ لأنَّ قطعَه قَضَاءٌ عَلى سَيِّده، ولا يُقْضَى على الغائِبِ. ولَنا، عُمومُ الكتابِ والسُّنَّةِ، وأنَّه مكلَّفٌ سرقَ نصابًا من حِرْزِ مثلِه، فيُقْطَعُ، كغيرِ الآبِقِ. وقولُهم: إنَّه قَضَاءٌ على سَيِّدِه. لا يُسَلَّمُ، فإنَّه لا يُعْتَبَرُ فيه إقرارُ السَّيِّدِ، ولا يَضُرُّ إنْكارُه. وإنَّما يُعْتَبَرُ


(٤) أخرجه الدارقطنى، في: كتاب الحدود والديات وغيره. سنن الدارقطني ٣/ ٨٧.
(٥) في الأصل، ب: "لا أراك".
(٦) تقدم تخريجه، في صفحة ٥٣.
(٧) في م زيادة: "بن مهر". وهو القاسم بن عبد الرحمن. وانظر مصادر التخريج التالية.
(٨) أخرج البيهقي، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، أن عليا، رضى اللَّه عنه، أقر عنده سارق مرتين، فقطع يده، ولم يرد فيه أنه كان عبدا. انظر: ما أخرجه البيهقي، في: باب ما جاء في تعليق اليد في عنق السارق، من كتاب السرقة. السنن الكبرى ٨/ ٢٧٥. وعبد الرزاق، في: باب اعتراف السارق، من كتاب اللقطة. المصنف ١٠/ ١٩١. وابن أبى شيبة، في: باب في الرجل يقر بالسرقة كم يردد مرة، من كتاب الحدود. المصنف ٩/ ٤٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>