للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآخَرِ. قال علىٌّ، وأبو هُرَيْرَةَ، وعائشةُ: لأنْ أصُومَ يَوْمًا من شعبانَ، أحَبُّ إلَىَّ مِن أن أُفْطِرَ يَوْمًا مِن رمضانَ. ولأنَّ الصَّوْمَ يُحْتَاطُ له، ولذلك وَجَبَ الصَّوْمُ بخَبَرٍ واحِدٍ، ولم يُفْطَرْ إلَّا بشهَادَةِ اثْنَيْنِ. فأمَّا خَبَرُ أبي هُرَيْرَةَ الذي احْتَجُّوا به، فإنَّه يَرْوِيه محمدُ بنُ زِيادٍ، وقد خَالَفَه سَعِيدُ بن المُسَيَّبِ، فرَوَاهُ عن أبى هُرَيْرَةَ: "فَإنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ". ورِوَايَتُه أوْلَى بِالتَّقْدِيمِ، لإِمامَتِه، واشْتِهَارِ عَدَالَتِه، وثِقَتِه، ومُوَافَقَتِه لِرأْى أبى هُرَيْرَةَ ومَذْهَبه، ولِخَبَرِ ابنِ عمرَ الذي رَوَيْنَاهُ. ورِوَايَةُ ابنِ عمرَ: "فَاقْدُرُوا له ثَلَاثِينَ" مُخَالِفَةٌ لِلرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ المُتَّفَقِ عليها، ولِمذهبِ ابنِ عمرَ ورَأْيِه. والنَّهْىُ عن صَوْمِ الشَّكِّ مَحْمُولٌ على حالِ الصَّحْوِ، بِدَلِيلِ ما ذَكَرْناهُ، وفي الجُمْلَةِ لا يَجِبُ الصَّوْمُ إلَّا بِرُؤْيَةِ الهِلَالِ، أو كَمَالِ شعبانَ ثلاثِينَ يَوْمًا، أو يَحُولُ دُونَ مَنْظَرِ الهِلَالِ غَيْمٌ أو قَتَرٌ، على ما ذَكَرْنَا من الخِلافِ فيه.

٤٨٥ - مسألة؛ قال: (وَلَا يُجْزِئُه صِيَامُ فَرْضٍ حَتَّى يَنْوِيَهُ أىَّ وَقْتٍ كَانَ مِنَ اللَّيْلِ)

وجُمْلَتُه أنَّه لا يَصِحُّ صَوْمٌ إلا بِنِيَّةٍ. إجْمَاعًا، فَرْضًا كان أو تَطَوُّعًا، لأنَّه عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ، فافْتَقَرَ إلى النِّيَّةِ، كالصلاةِ، ثم إنْ كان فَرِيضَةً (١) كصِيَامِ رمضانَ في أدَائِه أو قَضائِه، والنَّذْرِ والكَفَّارَةِ، اشْتُرِطَ أن يَنْوِيَه من اللَّيْلِ عندَ إمامِنَا، ومالِكٍ، والشَّافِعِىِّ. وقال أبو حنيفةَ: يُجْزِئُ صِيامُ رمضانَ وكُلُّ صَوْمٍ مُتَعَيِّنٍ بِنِيَّةٍ من النَّهارِ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرْسَلَ غَدَاةَ عاشُوراءَ إلى قُرَى الأنْصارِ التى حَوْلَ المَدِينَةِ: "مَنْ كَانَ أصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كان أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِه، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ". مُتَّفَقٌ عليه (٢). وكان صَوْمًا وَاجِبًا مُتَعَيِّنًا، ولأنَّه غيرُ ثابِتٍ


(١) في م: "فرضا".
(٢) أخرجه البخاري، في: باب صيام يوم عاشوراء، وباب إذا نوى بالنهار صوما، وباب صوم =

<<  <  ج: ص:  >  >>